حريق النجف ودخان الضاحية

احمد عياش

لا يمكن  تفسير إبتعاد “حزب الله” عن التعليق رسميا على آخر التطورات العراق بأنه ناجم عن تقليله من أهمية ما يجري في بلاد ما بين النهريّن. كما لا يمكن تفسير هذا الابتعاد بأنه ينطوي على رغبة في عدم التدخل في شأن داخلي في البلد الشيعي الاكبر في العالم العربي. فقط يمكن تفسير هذا السلوك بأنه يعبّر عن إحراج شديد لم يسبق للحزب أن مرّ به منذ زمن بعيد.

لم يكن إحراق المتظاهرين مبنى القنصلية الايرانية في النجف حدثا عاديا.فقبل حريق النجف، أشعل المتظاهرون النار في قنصلية الجمهورية الاسلامية في كربلاء في بداية الشهر الجاري. ما يعني ان إستهداف المقريّن الديبلوماسيين لإيران تم في مكانيّن لا يمثلان رمزيّن شيعيين في العراق فحسب،بل  هما يمثلان الرمزيّن الاهم على المستوى الشيعي في العالم.

اقرأ أيضاً: «الثورة» تصارح بيئتها فهـــل «تقلدها» السلطة؟!

صمت “حزب الله” عن حريق القنصلية الايرانية في النجف، يؤكد ان قاموس الاستنكار لا يحتوي على عبارات التعامل مع حدث كهذه. وربما يتفوّق هذا الحريق بدلالاته على كل الحرائق التي إندلعت هذا الشهر في كل إيران وأدت الى سقوط مئات القتلى والاف الجرحى في قمع دموي مارسه النظام الايراني بحق فتية وفتيات رفضوا إجراء زيادة أسعار المحروقات. فحريق النجف وقبله حريق كربلاء قوبلا بقمع دموي مماثل لما جرى في إيران.لكن قمع النظام الايراني لشعبه أخذ طريقه الى شعب آخر وسط معلومات أفادت قبل أسابيع ان قائد “فيلق القدس” في الحرس الثوري الايراني الجنرال قاسم سليماني كان مهندسا للرد الدموي على تظاهرات العراق.

يقول احد خبراء الشأن العراقي في لبنان ل”النهار” ان ردة فعل المتظاهرين العراقيين ،وهم من الشيعة، على التدخل الايراني في شؤون بلادهم،بلغ الذروة في كربلاء والنجف، بسبب التبديد الهائل لنحو 1300 مليار دولار من ثروات العراق في زمن حكومة نور المالكي الذي مارس السلطة بين عاميّ 2006 و2014 . وهناك الكثير من الوثائق التي تثبت ان هذه الثروات موّلت ،ليس الفساد العراقي فحسب، بل موّلت كذلك مشروع التدخل الايراني الخارجي الذي ينفذه فيلق سليماني. وقد حصل “حزب الله”، كغيره من ميليشيات إيران، على حصة مهمة من هذه الثروات طوال أعوام المالكي الثمانية في السلطة.

عندما يجري الحديث عن 1300 مليار دولار تبخّرت من العراق، يضيف هذا الخبير، سيكون مثيرا لغرابة لا حدود لها عندما تبيّن للعراقيين ان بلادهم حتى اليوم لم تحظ بخدمة الكهرباء.ويصبح عندئذ مفهوما أن يصب المتظاهرون غضبهم على من يؤمنون انه وراء ضياع اموال بلادهم. ويتساءل هذا الخبير: اليس هناك من شبه بين العراق وبين  لبنان المبتلي بفقدان نعمة الكهرباء في ظل إدارة وزراء ينتمون الى “التيار الوطني الحر”، أهم حلفاء “حزب الله” ،على رغم ان عشرات المليارات من الدولارات التي ضاعت تحت عنوان هذه الخدمة.دخان حريق النجف يغطي الضاحية الجنوبية لإسباب واحدة! 

السابق
لبنان «رهينة» المستقبل السياسي لجبران!
التالي
دانا حمود بين ظلم الاحتجاز والتسامح مع «البلطجية»