الاستشارات الملزمة بدأت بالليرة و«حزب الله» إعتمد الدولار!

احمد عياش

في المنتديات السياسية هذه الايام ،يجري إستعادة ما جرى في ذروة الحرب اللبنانية التي إندلعت عام 1975  وما حصل بالنسبة لسعر صرف الليرة مقابل الدولار الاميركي. فهل ستتكرر تلك المرحلة الان بعد مضي 30 عاما على وضع تلك الحرب اوزارها عام 1989 بإتفاق الطائف؟

قبل  الاطلال على واقع الليرة اليوم ،لا بد من الاشارة الى ما حدث في لبنان منذ عام 1983ولغاية اوائل التسعينيات من القرن الماضي. ففي ذروة تلك الحرب حيث إنتقلت جبهات القتال من خطوط التماس التقليدية عام 1975 الى داخل كل من المنطقتيّن الشرقية والغربية على السواء. وما زال إبطال تلك الحروب، ليسوا  على قيد الحياة فحسب ،بل صاروا قادة البلاد يتقدمهم الجنرال ميشال عون الذي صار منذ ثلاثة اعوام رئيسا للجمهورية فيما يترأس خصمه اللدود سمير جعجع حزب “القوات اللبنانية” الذي يمتلك الكتلة المسيحية الكبرى في مجلس النواب المنتخب  عام 2018. أما قائد ميليشيا حركة “أمل” نبيه بري والتي خاضت معظم معارك الحرب الاهلية وما تلاها من معارك لغاية اليوم فيتربع على كرسي الرئاسة الثانية منذ العام 1992 من دون إنقطاع، فيما لا يزال خصمه وحليفه في آن وليد جنبلاط زعيما للحزب الاشتراكي الذي يمتلك كتلة نيابية برئاسة نجله تيمور.في ظل قادة تلك الحرب ،فقدت الليرة اللبنانية الكثير من قيمتها بالنسبة للدولار الأميركي وبقية العملات، وكانت نسبة التضخم عالية فسقطت من 3,30 ليرة للدولار إلى أكثر من 3000  ليرة للدولار. لكن بعد إتفاق الطائف وتحديدا بعد وصول رفيق الحريري  الى رئاسة الحكومة بدءا من العام 1992، ثبت سعر صرف الليرة واستقر بحدود 1500 ليرة للدولار وما زال على هذا المستوى الان بصورة رسمية وليس فعلية.

اقرأ أيضاً: «حزب الله» وبُعبُع «المجتمع المدني»‎

خلال عقود، منذ سبعينيات القرن الماضي ،لا يزال المراقبون يتبنون مفهوم السعر السياسي والامني لليرة  ،أي أن هناك تقييم لإي حدث سياسي او امني، تبعا لتأثيره غلى سعر صرف العملة الوطنية في السوق المحلي.ووفقا لهذا المفهوم، إتضح ان كلفة البيان الاخير للرئيس سعد الحريري الذي أعلن فيه عن عزوفه عن الترشح لرئاسة الحكومة، كان مئة ليرة تقريبا، ما اوصل سعر صرف الليرة في السوق الموازية الى 2100 ليرة. فهل يمثل هذا الارتفاع سعر بخسا لهذا البيان الذي وصفته مصادر وزارية في الحكومة المستقيلة لـ”النهار” بإنه “خطير”؟ هذه المصادر التي كانت تتوقع بعد إذاعة البيان ان يقفز سعر الدولار  الى 3 الاف ليرة دفعة واحدة، اوضحت لاحقاً، ان النبأ المفاجئ الذي تسرّب سريعا من قصر بعبدا حول  العزم على إجراء الاستشارات النيابية الملزمة المعلقة منذ 29 تشرين الاول الماضي عندما قدم الحريري إستقالته، غيّر دفة رياح صرف الليرة ولو الى حين.والسؤال الان الى أين سيمضي سعر الليرة لاحقا؟

كتب غسان العياش في “النهار “غداة بيان الحريري الاخير يقول :”انتهت حقبة الاستقرار النقدي، وعادت الليرة اللبنانية لتتلاعب بها حركة العرض والطلب. ولا ينقص الإعلان عن هذا الواقع الجديد إلا عودة مصرف لبنان إلى دوره القيادي في سوق القطع معترفا بالوقائع والأسعار الجديدة”.

بدوره صرّح الخبير المالي والمصرفي فريدي باز لـ”النهار” قائلا: “إننا وقعنا في الفخ، وعلينا التفكير مليّاً في كيفية الخروج منه بسرعة. هذا الفخّ هو بمثابة رمال متحرّكة، يمكن أن يبتعلنا إذا لم نُحسن التخلّص منه عبر اجراءات قصيرة المدى وفعّالة. فالأسواق تسامح عادةً، ولا تنتظر النتائج النهائية خصوصاً اذا لمست أن الأمور وُضعت جدّياً على السكّة الصحيحة”.

في “السوق السياسية” الموازية التي تنتمي الى دولة “حزب الله”، علمت “النهار” ان الحزب سدد رواتب العاملين في مؤسساته بالدولار على أساس الصرف الرسمي وليس الواقعي.ووفقا لهذه المعلومات ان موظفا في مؤسسة “جهاد البناء” كان راتبه الشهري قبل إندلاع الازمة يبلغ مليون و500 الف ليرة.، تقاضى هذا الموظف في  الشهر الحالي راتبه نقدا الف دولار أميركي. في حين ان الالف دولار هذه تبلغ فعليا اليوم مليونيّن و100 الف ليرة، أي بزيادة 600 الف ليرة عن راتب هذا الموظف بالليرة.

بالتأكيد، ان إجراء الحزب هذا، يوفر طمأنينة لالوف العاملين في مؤسساته ويثبت دقة ما تعهد به الامين العام حسن نصرالله في بداية الشهر الحالي عندما قال في  إطلالة تلفزيونية: ” يمكن أن يأتي وقت لا تستطيع الدولة اللبنانية أن تدفع فيه رواتب وينهار الجيش والقوى الأمنية وإدارات الدولة ويخرب البلد، لكن أنا أؤكد لكم أن المقاومة ستظل قادرة على أن تدفع الرواتب”. لكن هذه الطمأنينة التي تشمل بضعة الوف من عناصر الحزب، لن تطال ابدا ملايين المواطنين الذين باتوا عالقين بين سعر رسمي للدولار وآخر واقعي للعملة الخضراء.

في حوار أجراه قيادي سابق في حزب يساري مع مسؤولين في “حزب الله” وحركة “أمل” بعد التحركات الميدانية لعناصر من الجانبين منذ ليل الاحد-الاثنين الماضي، والخسائر المادية التي ألحقوها في منطقة الصيفي وشارع مونو، ومن ثم ممارسة التعديات على تخوم عين الرمانة وفي صور بعلبك ، سمع هذا القيادي ، كما علمت “النهار” ، من هؤلاء المسؤولين ما يلي: “نحن نشعر بوطأة الازمة كما يشعر بها سائر اللبنانيين.ولا نقرّ اعمال التخريب التي وقعت.ونقدّر البيان الذي أصدره الرئيس الحريري ، ولا بد من نهاية ازمة تشكيل الحكومة لحماية الاستقرار”.

يقول القيادي: “سمعت كلاما جميلا، لكن ما ينقصه هو الافعال”. حتى الان، لا يبدو ان “حزب الله” عمليا ،قد تخلى في افعاله عن عبارة “بعد مشروعي الطوفان”.وصاحب المشروع مقره في طهران! 

السابق
ما هي قصة ربيع الزين؟!
التالي
أزمة البنزين تابع.. مواطن يحرق سيارته في كسروان