ثوار طرابلس يشحنون أحرار الجنوب

طرابلس

أرهقتني الثورة وبت أخشى على نفسي وعلى أعصابي وحتى على قدرتي على التماسك وعل الحديث. وتتكرر معي حالات الاختناق وحشرجة الصوت واقتراب الدمع من مجرى العين، فأسكت وانسحب مدعيا انشغالي بأمور أخرى لأهرب من حراجة الموقف. لا أدري متى بدأت هذه الحالة ولكنني انتبهت لها عندما سمعت هتاف أهلنا في طرابلس يهتفون (صور صور صور كرمالك رح بنثور) وقتها قفزت الدمعة من عيني وأخفيتها، ولم اعد استطيع إعادة  الهتاف أمام احد دون أن اختنق بالعبرات.

اقرأ أيضاً: عندما يتهجم «التتار» على الثوار!

ثم تلا ذلك تضامن الأشرفية مع النبطية وعكار وبيروت و…… مع الجميع. تكرر الموقف وانا أشاهد تألق بيروت وعظمتها في قيادة الثورة، كما رؤية طرابلس وهي تحتفل بصحوتها وبجمالها، وبصمود النبطية وكفر رمان، وبتجرؤ أهالي الشريط الحدودي من بنت جبيل وعيترون وتبنين وسواها على الحراك رغم القهر والقمع. ومن لا يستطيع أن يتأثر وهو يشاهد حراك المرأة اللبنانية ودورها الطليعي او الطالبات والطلاب بعمر الزهور وهم يتحدثون بطلاقة ووضوح حول مطالبهم واحلامهم وهمومهم.

من يستطيع أن لا يتفاعل مع قرع الطناجر وهي تعزف أجمل الألحان. مئات آلاف البشر يتفاعلون مع بعضهم البعض بسلام ورقي يتآخون ويتحابون  ويتناقشون بهدوء وبرحابة صدر. كيف أمكن لهذه الثورة ان تعقد عشرات الندوات والنقاشات خلال هذه الفترة الوجيزة. كيف أصبح لبنان بهذا الحجم الصغير بحيث ان كل ساحة تسمع اقل نفس او صوت وتشعر بكل  فرح او وجع يصدر عن الساحات الأخرى. كيف أمكن لهذه القلوب ان تتسع لكل هذا الحب والاحتضان. كيف أمكن لهؤلاء الشبان والشابات ان يتحملوا هذه الغزوات البربرية بكل صبر وحتى بتعاطف مع الغزاة.

كيف كان لنا ان نكتشف هذه الطاقات العلمية الهائلة والعقول النيرة وسط شعبنا لولا هذه الثورة. لقد حجبت طبقتنا السياسية الفاسدة كل ما هو جميل لدينا واظهرت كل ما يشبهها من قبح وقذارة، حتى كدنا ان نيأس و نستسلم. مطربون اشعلوا الساحات ومثقفون ملأوا العقول. لم اسمع في كل حياتي هذا العدد للنشيد الوطني واقف متفاخرا وناشدا له. لم احب لبنان يوما كما أحببته خلال هذه الثورة ولم أشعر يوما تجاه كل ساحات الثورة بذات الحب الذي اكنه لساحة تواجدي.

اقرأ أيضاً: اللبنانيون يثورون على الطبقة السياسية…

خنقتني العبرات وانا استمع واشاهد واقرأ ردات فعل وتعليقات مختلف وسائل الإعلام العربية والعالمية التي اشادت بعظمة ووعي ورقي ثورتنا وعدالة مطالبها وشمول ثوارها لمختلف المناطق والفئات ولو بتفاوت. مبهر كيف استطاعت هذه الثورة ان تدك اسافين هامة في البنى اللبنانية المتخلفة. مدهشة هي الانجازات التي تحققت ومن الصعب احاطتها واستيعابها كلها. لذلك ارهقني وجعلتني أكثر رقة واحساسا لدرجة انني اضطررت للبوح بأحاسيسي بهذا النص.                

السابق
حقيقة السماح لباسيل بإنشاء مرفأ لليخوت على أملاك الوقف الماروني!
التالي
بعد قمع التظاهرات الإيرانية… جاء الدور على الحكومة