مع صياغة دستور جديد.. هذه قصة دساتير سوريا منذ عام 1920

دستور

لم تنته الحرب في سوريا بعد، وما زال نظام بشار الأسد يستهدف المدنيين في مناطق الشمال السوري، ولم تخرج جنود الدول الأجنبية من أراضيها، ولم تتمكن هدنة واحدة عبر ثماني سنوات من إخماد نارها المشتعلة على أثر ثورة شعبية تطالب بالحرية والكرامة وبناء دولة مدنية عمادها دستور تحكم بموجبه.

في حين تجمعُ الدول الكبرى والإقليمية عبر الأمم المتحدة في جنيف السويسرية الفرقاء السوريين؛ من نظام ومعارضة ومجتمع مدني (محسوب على الطرفين)، لكتابة دستور جديد لبلدٍ يشارك المتهم بجرائم الحرب مع ممثلي الضحايا في نسج حروفه وأبوابه ومبادئه العامة.

منذ ولدت الدولة السورية، في عشرينيات القرن الماضي وحتى عام 2012، تشكل فيها نحو 16 دستوراً، خلال حقب سياسية مختلفة، وتبدلات دولية كثيرة، وصعود أحلاف وسقوط أخرى.

دساتير سوريا حتى انقلاب البعث

بعد أن انفصلت سوريا عن الإمبراطورية العثمانية على أثر ما سُميت بـ”الثورة العربية الكبرى”، تأسست مملكة سوريا عام 1920، وحكمها الملك فيصل بن الشريف حسين، وكتب أول دساتيرها، ولكنه لم يستمر طويلاً، حيث جاءت القوات الفرنسية لاحتلال سوريا ولبنان (التي كانت جزءاً منها).

لكن الاحتلال الفرنسي عطل “دستور 1920″ بعد فترة لم تدم طويلاً، حيث قامت بتشكيل لجنة دستورية لإعداد دستور جديد عُرف بـ”دستور 1928”.

لم يكن الدستور الجديد ملائماً تماماً لسياسة فرنسا الداخلية في سوريا، حيث رفضته؛ لوجود مواد تتعارض مع دورها الانتدابي في البلاد، ما دفعها لتعديله بواحد آخر هو “دستور 1930″، والذي أعطى صلاحيات واسعة لمجلس النواب، وضمن الحريات، وفصل بين السلطات.

وفي عام 1946، جلت فرنسا عن سوريا بعد أن رسمت معالمها الجديدة، واتخذت حكومة الجلاء من دستور عام 1928 دستوراً للبلاد وحكمت بموجبه، والذي كان ينص على أن “سوريا جمهورية نيابية، دين رئيسها الإسلام، وعاصمتها مدينة دمشق”.

وفي عام 1947 عدّل الدستور بتحويل النظام الانتخابي من درجتين إلى درجة واحدة، وعدل مرة ثانية عام 1948 للسماح بانتخاب شكري القوتلي لولاية ثانية مباشرة بعد ولايته الأولى، وفي 30 مارس 1949 انقلب حسني الزعيم عسكرياً على الحكم المدني برئاسة القوتلي، وعلّق العمل بالدستور، وسرعان ما انقلب عليه سامي الحناوي في أغسطس 1949، ونظمت انتخابات جمعية تأسيسيّة (شاركت فيها المرأة لأول مرة) لوضع دستور جديد للبلاد.

إقرأ أيضاً: اللجنة الدستورية… تأسيس جديد للعنف وليس للحل

في عام 1950 وضع دستور حمل اسم “دستور الاستقلال”، والذي يعد أول دستور مدني من نوعه تحظى به سوريا، حيث اطلعت اللجنة على 15 دستوراً أوروبياً وآسيوياً للوصول إلى “أرقى المعايير الممكنة”، وجاء في مادته الثالثة: “دين رئيس الجمهورية الإسلام، والفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع”، وهو ما سيستمر في الدساتير اللاحقة.

قلص “دستور 1950” من صلاحيات رئيس الجمهورية، وزاد من صلاحيات البرلمان بمنعه التنازل عن صلاحياته التشريعية للحكومة ولو مؤقتاً، وعزز من سلطة القضاء باستحداث المحكمة الدستورية العليا.

وكفل حرية الرأي والصحافة، والاجتماع والتظاهر، والمحاكمة العادلة، ومنع الاعتقال التعسفي والتوقيف دون محاكمة لفترة طويلة، وحفظ حق الملكية والمشاركة في الحياة الاقتصادية وتأطير الملكية العامة للدولة، وحماية حقوق الفلاحين والعمال على وجه الخصوص.

ويرى السياسي ومؤسس حزب التضامن السوري، عماد الدين الخطيب، في حديث خاص مع “الخليج أونلاين”، أنّ “دستور 1950 من أفضل الدساتير التي كتبت في سوريا لأنه ضَمِنَ الحياة السياسية الديمقراطية، ويمكن اعتباره مرجعاً يتم البناء عليه مع بعض التعديلات بحيث تضمن المساواة بين السوريين كافة بمختلف قومياتهم وطوائفهم ومذاهبهم”.

وعُطل “دستور 1950” أكثر من مرة بسبب تجدد الانقلابات العسكرية، ثم عطل مع قيام الوحدة بين سوريا ومصر عام 1958 حتى عام 1961 مع سنة الانفصال؛ حيث أعيد إحياؤه، وبقي معمولاً به حتى 8 مارس 1963، إلى أن سيطر حزب البعث على السلطة، وألغى الدستور والحريات العامة وأغلق الصحف؛ وبدأت سوريا معه فصلاً جديداً لم تنته أحداثه حتى اليوم.

جدارية لحافظ الاسد
جدارية لحافظ الاسد

دستور الحزب القائد

كانت أولى قرارات عسكر حزب البعث الذي نفذ الانقلاب هو تعطيل الدستور، واعتقال رئيس الجمهورية ناظم القدسي، ورئيس الوزراء خالد العظم، ورفع حالة الطوارئ التي استمرت لمدة 48 عاماً، حتى رفعها في أبريل عام 2011، إثر الثورة ضد نظام بشار الأسد.

أصدر حزب البعث على مدار 7 سنوات 3 دساتير كلها مؤقتة؛ بسبب الأحداث الكثيرة التي جرت في تلك الأيام من صراع على السلطة بين أجنحة الحزب ذاته، إلى أن وصل حافظ الأسد إلى السلطة وأنهى كل ما سبق عبر انقلاب عسكري، في 16 نوفمبر 1970.

وبعد أن أنهى الأسد الأب ترتيب أوراقه الداخلية واعتقال وملاحقة من تبقى من خصومه، عين لجنة لصياغة دستور دائم للبلاد عام 1973، وكانت المادة الثالثة (دين الدولة) إضافة إلى آلية انتقال السلطة، ودور حزب البعث، من أبرز النقاط التي أثارت موجة احتجاجات حينها.

أقر الدستور بنفس العام باستفتاء شعبي، وكان ينص على المادة الثامنة الشهيرة (حزب البعث هو القائد للدولة والمجتمع)، إضافة إلى المادة الثالثة (دين رئيس الجمهورية الإسلام)، إضافة إلى النص على أن اقتصاد البلاد هو (اشتراكي مخطط).

وكذلك المواد التي تمنح الرئيس صلاحيات كبيرة جمعتْ كل السلطات بيده، ومنها أنه يمتلك سلطة التشريع، كما يستطيع حل مجلس الشعب، وإعلان حالة الطوارئ، وحالة الحرب، والتعبئة العامة، وهو القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة.

دستور تجميلي

استمر دستور حافظ الأسد سارياً حتى عام 2012، عندما صدر دستور جديد بعيد انطلاق الثورة السورية، والتي كان من بين مطالبها إلغاء المادة الثامنة في دستور 1973، وإلغاء حالة الطوارئ، إضافة للفصل بين السلطات، ثم تحولت إلى إسقاط النظام؛ بسبب استخدامه للعنف المفرط ضد الشعب.

لم يكن دستور بشار الأسد عام 2012 إلا تجميلاً لدستور أبيه، حيث بقيت صلاحيات الرئيس ذاتها، إضافة إلى المادة الثالثة التي شهدت إعادة كلمة “الطوائف”، واستعاد دستور 2012 ما جاء في دستور 1950 حول ذلك، إذ تنص المادة الثالثة على:

“دين رئيس الجمهورية الإسلام، الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع، تحترم الدولة جميع الأديان، وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها على ألا يخلّ ذلك بالنظام العام، الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية”.

أما المادة الثامنة فقد تحولت من “احتكار” البعث للسلطة، إلى “التعددية السياسية”، إذ تقول: “يقوم النظام السياسي للدولة على مبدأ التعددية السياسية، وتتم ممارسة السلطة ديمقراطياً عبر الاقتراع”.

إقرأ أيضاً: «الدستورية» أداة لتثبيت «انتصار» الاسد…

ووضع الدستور الجديد سقفاً لمرات انتخاب رئيس الجمهورية، إذ جاء في المادة 88: “ينتخب رئيس الجمهورية لمدة سبعة أعوام ميلادية تبدأ من تاريخ انتهاء ولاية الرئيس القائم، ولا يجوز إعادة انتخاب رئيس الجمهورية إلا لولاية واحدة تالية”.

في حين ورد في المادة 155: “تنتهي مدة ولاية رئيس الجمهورية الحالي بانقضاء سبع سنوات ميلادية من تاريخ أدائه القسم الدستوري رئيساً للجمهورية، وله حق الترشح مجدداً لمنصب رئيس الجمهورية، وتسري عليه أحكام المادة /88/ من هذا الدستور اعتباراً من الانتخابات الرئاسية القادمة”.

وكل ذلك هو من المسائل التي تشهد خلافات حادة، إضافة إلى الشروط التي حددها الدستور لمن يحق له الترشح لمنصب الرئيس، إذ يشترط أن يكون مقيماً في سوريا منذ 10 سنوات متصلة، وهذا يعني أن كثيراً من المعارضين لن يستطيعوا الترشح للمنصب.

انفوجرافيك تعرّف على اللجنة الدستورية الخاصة بسوريا
انفوجرافيك تعرّف على اللجنة الدستورية الخاصة بسوريا
السابق
لليوم الثاني على التوالي.. الشوف مشلولة تماما
التالي
احتجاجا على غلاء الخدمات.. «touch» تحت ضغط الثوار