حزب الله: لا لاستلام الجيش… نعم لباسيل!

جبران باسيل

لا أحد يعلم ما إذا السلسلة البشرية العابرة للمناطق ستلتفّ على عنق السلطة وتدفع الحكومة الى تنازلاتٍ لم تسبقها اليها أي حكومة أخرى تحت ضغطِ الشارعِ. التطوّرات تقاس بالساعات وليس بالأيام، وأهمّ ما فيها أنّ التخبّط لا يزال يسيطر بشكل كبير على المعنيين بايجاد حلول للخروج من النفق.

الجميع مأزومٌ. هذه حقيقةٌ يقرّ بها الجميع، بما في ذلك الشارع المُنقَسِم على نفسه، والذي يَكبر “أمل” الطبقة السياسية بأن يخفت صوته تدريجيًّا درءًا لما هو أسوأ. أما الرئيس سعد الحريري، المعني الاول بمصير حكومته، فهو يُمعِن في “أسرِ” نفسه بمهلٍ على قاعدة “72 ساعة وإلّا”، “48 ساعة وإلّا” ما يظهّر ضعفه أكثر، مع العلم، أنّ جنوحه نحو حماية المتظاهرين لاقى صداه عند جزءٍ من هذا الشارع الذي حيّد نسبيًّا إسم سعد الحريري من “التنكيل” اليومي.

اقرأ أيضاً: الثورة تفضح السلطة.. لماذا إختفت أزمة البنزين والكهرباء الآن؟

تعترف شخصيّة نيابيّة بارزة على تماسٍ مع ما يحدث في كواليس أصحاب القرار، بأنّ “الورقة الاصلاحية التي أعلنها الرئيس سعد الحريري بعد انفجار “ثورة 17 تشرين” هي ورقةٌ وهميةٌ وأقربُ الى “تفنيصة”، غايتها كانت امتصاص غضبِ الشارعِ. تمامًا كما صوّتنا كنواب عام 2019 على موازنة أرقامها وهميّة. لذلك سيكون من المبرّر للغالبية السّاحقة ممن هم في الشارع عدم قراءة “ورقة الحريري” طالما أن لا ثقة بمن أعدّها وسيطبقها”. لا يكشف ذلك سوى جزءٍ يسيرٍ من “تخبيص” السلطة: حكومة أسقطت نفسها قبل أن يسقطها الشارع، لكنها تعاند “قدرها”.

وفي ظلّ إصرار الشارع على عدم الاستسلام وتحت سقف مراوحة السيناريوهات الحكومية مكانها، والدفاع المستميت لبعض القوى السياسية عن “هيكل” الحكومة، تتّجه الأنظار نحو حزب الله خصوصًا بعد خطابي أمينه العام السيد حسن نصرالله.

ما يتوافر من معطياتٍ حتى الآن يُظهر وقوف الحزب كـ “درعٍ واقٍ” للحكومة، لأسبابٍ باتت غير مُقنِعَة حتى لحلفائه، وربما على رأسهم الرئيس نبيه بري الذي تشير مصادر موثوقة، الى أن لا مانع لديه من تعديل وزاري أو حكومة جديدة تتمثل فيها وجوهًا من الحراك نفسه، وهو الأمر الذي أبلغه صراحةً للنواب خلال اجتماع كتلة “التنمية والتحرير” الاخير.

يأتي ذلك ليس لأن بري “ملكيًّا أكثر من الشارع” بل ربما لتسليمه بأنّ “تسويق” الحكومة مجددًا وتعويمها بات أمرًا صعبًا جدًا. بالمقابل، ثمة من الحلفاء من بات يعاير حزب الله “بحمايته لوزراءٍ سبق أن “شيطنهم” في المرحلة السابقة ويبدو الآن في موقع الدفاع عنهم”!

يدفع حزب الله عنه تهمة حماية حكومة يقرّ أنها “فاسدة” إن من خلال بعض وزرائها أو بأدائها المشبوه. فقراءته للحراك في أيامه الاولى تختلف بشكل كبير عمّا هي عليه اليوم.

وتفيد المعطيات، بأنّ حزب الله فتح في الاونة الاخيرة خطوط تواصلٍ مع الجميع من دون استثناء إن بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشرٍ. لكن “لينكه” مع بعض قوى الحراك دفعه أكثر الى التشدّد في سياسة حماية الحكومة من أي مطبٍ قد يكون “قاتلًا”.

فالحزب يصنّف الحراك ضمن ثلاث فئات: الغالبية الشعبية التي لا غبار على “اجندتها وحقوقها”، ويرى بأنها “وقود الثورة”، فئة اليساريين وهم ممن تواصلوا مع مسؤولين في الحزب وأبدوا ليونة في تأطير مطالبهم ضمن كادرٍ منطقيٍّ قابل للتنفيذ مع “الاعتراف” بتحييدهم لحزب الله عن الاستهداف لغاياتٍ سياسيّةٍ، أما الفئة الثالثة، فهي تلك المشبوهة والتي باتت تُعرَف لدى 8 آذار بـ”الفئة الاميركية” التي تنسِّق مع منظمات خارجية وغير حكومية ويصلها تمويل “مشبوه”، وترفض بشكلٍ مطلقٍ الحوار مع رئيس الجمهورية ولا تتزحزح عن مطلبِ إسقاطِ الحكومة ثم اجراء انتخابات نيابية مبكرة.

هذه الفئة تحديدًا، برأي حزب الله، التي تمتلك التمويل والاعلام والادارة، تخفي أجندة مشبوهة تكفّل السيد نصراالله مؤخرًا بكشف جزءٍ منها عبر رسم علامات استهداف حول “سيطرتها” على “إمرة” الحراك.

أكثر من ذلك، ومن خلال القنوات المفتوحة لحزب الله على أكثر من مستوى، تتوافر معطيات جدية للضاحية عن وجود مخططٍ يدفع باتجاه سقوط حكومة ما يمهّد لعدم عودة الحزب الى أي حكومة أخرى، فيما تصل الى مسامعه مطالب قواتية بتوزير ثمانية وزراء “تكنوقراط” من محيط معراب في أي حكومة جديدة على قاعدة التعويض عن فقدان التوازن داخل الحكومة في مرحلةِ ما بعد الانتخابات النيابية.

وحزب الله الذي استفاد في المرحلة الاولى ولا يزال من “جوٍّ” شعبيٍّ ضاغطٍ يفترض، أن يدفع الحكومة الحالية الى مزيدٍ من التنازلات يقرّ القريبون منه بأنه لا يقف بوجه الشارع “فحتى لو بقيت التظاهرات محصورة في بيروت لستة أشهر لا مانع، لكن من غير المسموح بعد الآن قطع الطرقات، والجيش رفض تولي هذه المهمة لوحده طالبًا أن تقف الاجهزة الامنية “السنية” و”الشيعية” الى جانبه، مع العلم، أنّ هذا الامر من مهامه”.

ويردِّد قريبون من الحزب، أنّ “جمهوره يعبِّر عن استيائه من قطعِ الطرقات فيما قيادة الحزب باتت في مواجهةٍ مباشرةٍ مع من يمارس سياسة فرض الخوات”. مع ذلك، لا تنازلات تحت الضغط.

ويرى هؤلاء، أنّ “هناك مخططًا لتغيير سياسي جذري في الستاتيكو القائم لن نقبل به، خصوصًا، أنّ الانصياع لمطلبٍ واحدٍ للشارع تحت الضغط سيشكِّل استعادة للمشهد السوري في بدايته، أي مطلب وراء مطلب، يبدأ بتعديل أو تغيير حكومي وينتهي بسلاح حزب الله وهو الأمر الذي باتت تجاهر به قوى سياسيّة إضافة الى هتافاتِ الشارع المُنَظَّمة”.

ويؤكِّد القريبون من الحزب، أنّه “لن يكون بواردِ التفريطِ بمكاسبٍ راكمها في الداخل خصوصًا لجهة حيثيَّته السياسيّة ومساره الذي وصلَ الى حدِّ فتحِ ملفات الفساد وذلك لصالح مجموعة متظاهرين يأتمرون بالـ NGO والسفارات”، ويشير هؤلاء، الى أنّ “اسقاط الحكومة سيعني إما استلام الجيش عبر حكومة عسكرية وإما الفراغ الذي يعني الفوضى في ظلّ صعوبة كبيرة في الاتفاق على حكومة قبل تقديم الحريري استقالته، والامران مرفوضان”.

ويجزم هؤلاء، “الرئيس ميشال عون وافق حتى على تعديل وزاري يطاول جبران باسيل لأسبابٍ كثيرة، فيما الحريري يرحِّب بالتخلّص من “بلوكٍ” مسيحيٍّ حاصره طوال الاشهر الماضية، لكن حزب الله لا يزال يقف ضدّ هذا الخيار، لأن تلبية هذا المطلب سيجرّ مطالب أخرى… وصولاً الى رأسه”.

والمفارقة بتأكيدِ المقرّبين، أنّ لائحة مآخذ حزب الله على باسيل كبيرة جدًا لكن الواقعية تفرض نفسها وتجعل الحزب الجهة الوحيدة اليوم المُتَمسِّكة به، فيما المطلوب من الحكومة أن تبدي جدّية أكبر في تفعيل ما وعَدَت به.

السابق
الحراك لا يحتاج الى قيادة
التالي
في طرابلس.. محتجون يقتحمون مبنى البلدية واغلاق للدوائر الرسمية