العملية التركية في شرق سورية تُضيّع فرصة على روسيا والأسد

تركيا

الفيتوان اللذان أعلنتهما كل من الولايات المتحدة وروسيا، ضد بيان في مجلس الأمن يدين العملية العسكرية السورية في حوض الفرات، في شرق سورية، أظهرا وكأن واشنطن وموسكو متوافقتان ضد الأوروبيين، لكن الواقع مختلف، إذ ان الفيتو الأميركي يهدف لضمان استمرار العملية التركية ضد المجموعات الكردية التي تسيطر على الشمال الشرقي السوري، فيما الفيتو الروسي كان يهدف لوقفها باستصدار قرار يدين وجود «أي قوات أجنبية على أراضٍ سورية» من دون رضا دمشق، أي أن روسيا تطمح لوقف العملية التركية، وانسحاب القوات الأميركية، وعودة المجموعات الكردية إلى سيادة نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
تخلي أميركا عن حلفائها الأكراد، وموافقتها على عملية عسكرية تركية تباحث في تفاصيلها الرئيسان دونالد ترامب ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، حسب المصادر في واشنطن وانقرة، يعني أن واشنطن تستبدل الأكراد شمال شرقي سورية بالأتراك، ويعني ابتعاد أنقرة عن موسكو وطهران، وتخلي الأتراك عن محاولات إنهاء الحكم الذاتي الكردي في شمال شرقي سورية رغماً عن الأميركيين وبدعم روسي وايراني.
ومع نهاية العملية العسكرية التركية، من المتوقع أن تسيطر تركيا على كل الشمال السوري ومناطق شرق الفرات، وأن تعمل على إعادة اكثر من 3 ملايين لاجئ سوري يعيشون في تركيا إلى هذه المناطق، وإناطة ادارة أمورهم بحكومة انتقالية سورية تتألف من معارضين للأسد. ومع سيطرة تركيا ومعارضين سوريين على شمال وشرق البلاد، تنتهي طموحات الأسد وحلفائه في روسيا وايران باستعادة سيطرة دمشق على كل الأراضي السورية، بما في ذلك الشرق الذي تقع فيه مصادر الطاقة.
وبعد انتهاء العملية العسكرية التركية، من المتوقع أن ينجم واقع جديد على الأرض، وأن تنقسم سورية إلى اثنتين، غرب وجنوب تحت سيطرة الأسد وروسيا وايران، وشمال وشرق تحت سيطرة معارضي الأسد وتركيا، وهو ما يعني أن أي تسوية سياسية ستكون بين هذين الطرفين.
ويتباحث مسؤولون أميركيون ونظراؤهم الأتراك في إمكانية حصول سورية الخارجة عن سيطرة الأسد على مساعدات غربية، فيما يستحيل أن يوافق الغرب وأميركا على الإفراج عن أي تمويل لإعادة إعمار مناطق الأسد من دون التوصل إلى تسوية ترضي معارضيه.
في ظل الصورة المعقدة، لفتت بعض أوساط الإدارة الأميركية إلى دراسة كانت صدرت، الشهر الماضي، عن «مجموعة دراسة سورية» برعاية «معهد الولايات المتحدة للسلام»، الذي يموله الكونغرس، وأشارت إلى أن أميركا لم تتعهد أبداً للأكراد بضمانها قيام حكم ذاتي او استقلال لهم على الاراضي السورية.
وجاء في الدراسة أنه «رغم أن المسؤولين الأميركيين يصفون علاقة واشنطن مع قوات سورية الديموقراطية (قسد) بأنها تكتيكية، وموقتة، وبراغماتية»، لا توجد «سياسة أميركية واضحة في شأن العلاقة مع المجموعات الكردية بعد تحرير الأراضي السورية من سيطرة داعش».
وأضافت الدراسة انه «لا يوجد تعهد أميركي بدعم الاستقلال الكردي أو الحكم الذاتي في سورية».
وتابعت: «مع ذلك، أفادت وحدات حماية الشعب الكردية من الدعم الاستراتيجي والتكتيكي الذي تلقته من الولايات المتحدة لإنشاء حكم مدني بقيادة جناحها السياسي، أي حزب الاتحاد الديموقراطي (بي واي دي)، في المناطق المحررة من داعش».
وأشارت الدراسة الأميركية إلى أن الأكراد، بدورهم، لم يلتزموا بتحالف واضح مع واشنطن، بل هم سعوا للتفاوض مع اي طرف يمكنه ان يؤمن مصالحهم، بما في ذلك قيام «المجلس الديموقراطي السوري» (اس دي سي)، وهو الجناح المدني لقوات قسد، بالتفاوض «بشكل متقطع مع الأسد للتوصل إلى تسوية، لكن الانسحاب الأميركي الذي أعلنه الرئيس ترامب في ديسمبر 2018، اربك الموقف التفاوضي لقسد».

إقرأ أيضا: بعد العراق وسوريا والاكراد: تركيا والسعودية ولبنان في دائرة الخطر؟

وكانت الدراسة الأميركية توقعت أن يؤدي توقف الدعم الأميركي للأكراد وانسحاب القوات الأميركية من شرق الفرات إلى قيام الأسد وروسيا وإيران بشن عملية عسكرية «لاستعادة المناطق التي تسيطر عليها القوات الكردية، وهو ما دفع قائد قسد الجنرال مظلوم عبدي إلى القول ان قواته على استعداد للتفاوض على صفقة مع نظام الأسد، شرط اعتراف دمشق بسلطة الإدارة الذاتية لقسد وحفاظها على استقلال ذاتي». على أنه من غير المرجح أن يوافق الأسد على الاستقلالية المحدودة لقسد، حسب الدراسة.
كذلك أشارت الدراسة الأميركية إلى التوتر الذي ساد العلاقة بين السكان المحليين العرب، في مناطق شمال شرقي سورية، مع حاكميهم الأكراد: «في الأراضي التي استعادها التحالف من (داعش) وتسيطر عليها اليوم قوات قسد، بدأت التوترات تطفو على السطح، ولم تنتقل السلطة بشكل ملموس إلى السكان المحليين في المناطق التي يتركز فيها العرب، وخاصة في دير الزور، وهو ما دفع القادة العرب في شرق سورية إلى الشكوى من أن القيادة الكردية لقسد غير راغبة في المشاركة العادلة للموارد مع السكان العرب، الذين يشكون من المعاملة القاسية من قبل قسد، بما في ذلك التجنيد الاجباري».
وفي أبريل 2019، هتف المتظاهرون العرب في دير الزور «لا للاحتلال الكردي»، و«اشتكوا من أن قسد تستفيد من عائدات النفط المحلي، التي تبيعها لنظام الأسد».

السابق
فتح في مؤتمرها الأول للمقاومة الشعبية.. أي مفاوضات دافع لانهاء الاحتلال
التالي
أردوغان الهارب إلى سوريا