جنرال الدبلوماسية

لم تكن الصورة التي جمعت بين وزير الخارجية الايرانية محمد جواد ظريف وقائد فيلق القدس قاسم سليماني عبثية او من باب اعلان تضامن المؤسسة العسكرية مع الادارة الدبلوماسية بعد قرار الادارة الاميركية بادراج ظريف على لائحة العقوبات الاميركية، بل شكلت مؤشرا على بداية تكشف صورة جديدة من الادارة السياسية تحت ضغط العقوبات وانتقالها من نوع القفازات الدبلوماسية وتبني لغة متشددة تقترب ولا تختلف مع اللغة التي يعتمدها صقور المؤسسة العسكرية خصوصا قيادة حرس الثورة، وهو ما اوحت به في حينه المواكبة الاعلامية لحدث العقوبات على ظريف واللقاء الذي جمع بينه وبين سليماني في اروقة وزارة الخارجية، عندما وصفت اللقاء بلقاء الجنرالين.

انتقال ظريف من الضفة اللغة السياسية او خلعه لثياب الدبلوماسية الى ضفة لغة التهديد العسكري او ارتداء اللباس العسكري، يعني ان الشعور داخل النظام في شقيه السياسي – الحكومي والعسكري – الامني بان التهديد الذي تواجهه ايران قد ارتفع منسوبه الى حد انه بات يشكل تهديدا وجوديا للنظام ومؤسساته، وان الاجراءات الاميركية لم تعد تفرق بين مؤسسة سياسية ومؤسسة عسكرية، وان النظام بكليته بات في دائرة الاستهداف الاميركي وعقوباته، ولم يعد امامه الكثير من الخيارات للجوء اليها، فاما ان يلجأ الى اعتماد خيار الحوار وبالتالي سيكون مجبرا على تقديم تنازلات امام الضغوط الاميركية، ما يعني منح الرئيس الاميركي وفريقه انتصارا مجانيا كان من الممكن تخفيف وطأته فيما لو وافقت طهران على الجلوس الى طاولة المفاوضات مع بداية الازمة، واما ان يلجأ الى اعتماد خيار المواجهة ورفض الاستجابة الى اي من الشروط الاميركية، وهو الخيار الذي يكون فيه قادرا على تحويل المواجهة العسكرية الى مدخل لتخفيف قبضة العقوبات الاقتصادية الخانقة، انطلاقا من تقديراته بانه قادر على استيعاب اي هجوم عسكري مباشر في حرب قصيرة الامد في مقابل معركة اقتصادية طويلة الامد قد تنتهي الى زعزعة النظام وانهياره بفعل تفاقم الازمات الداخلية والتحركات الشعبية. 

وامام ادراك الادارة الايرانية ومعها النظام وقيادته لحجم التداعيات التي قد تتسبب بها سياسة العقوبات الاميركية التي يبدو انها تعتمد سياسة النفس الطويل والصبر من اجل تحقيق النتائج التي تريدها، هي التي دفعت النظام في طهران الى التصعيد العسكري من خلال السماح او الاذن بتنفيذ الهجوم على منشآت شركة أرامكو في ابقيق وخريص، في حال كان الفاعل جماعة الحوثي من اليمن او في حال كان الفاعل ايرانيا مباشرا حسب الرواية التي تبنتها وزارة الدفاع الاميركية على لسان وزير الدفاع مايك إسبر ورئيس هيئة الأركان المشتركة جوزيف دانفورد. وان الهدف منها  بالمرحلة الاولى تفكيك التحالف المقابل، اي الاميركي – السعودي – الاماراتي، برفع فاتورة الحرب في اليمن على اقتصادات هذه الدول وبالتالي اجبارها على الدخول الجدي في مسار تفاوضي وحل سياسي من خلال الحوار المباشر بينها وبين الحوثيين، وهو ما يعني اعترافا من الطرف السعودي بعدم جدوى الحرب التي يخوضها ضد هذه الجماعة وبالتالي تكون طهران قد حققت احد الاهداف في معركتها مع الرياض في الاقليم. واما الضغط على الادارة الاميركية لتخفيف شروط التفاوض وفتح الباب الذي يساعد طهران على تسويغ اي قرار قد تتخذه للذهاب الى طاولة المفاوضات داخليا في ظل السقف المرتفع والعالي للمطالب الاميركية الرافضة لاي تنازل في مجال االعقوبات التي فرضتها، واما الدفع باتجاه جر الولايات المتحدة الاميركية لمواجهة عسكرية مباشرة، ما يعني اعطاء النظام الفرصة لتنفيذ تهديداته في تحويل المنطقة والاقليم الى ساحة مواجهة مع واشنطن وحلفائها في الشرق الاوسط، وهي معركة في حال وقعت قد تساعد النظام على الجلوس الى طاولة المفاوضات وجها لوجه مع الاميركي من دون ان يكون للاطراف الاقليمية الاخرى اي دور او تأثير في مسار ونتائج هذه المفاوضات، وما يعنيه ذلك من جهود ايرانية لفرض نفسها شريكا اقليميا مستفيدا من هذه المواجهة التي سيعمد فيها لاستخدام كل نفوذه العسكري الذي يملكه عبر حلفائه الذين سيدخلون هذه المعركة الى جانبه. 

ان يعمد وزير الخارجية الايرانية الى خلع قفازاته الدبلوماسية قبيل التوجه الى نيويورك الاميركية للمشاركة في الجمعية العمومية للامم المتحدة وعلى الرغم من الاشكالية التي رافقت حصوله مع الرئيس حسن روحاني والوفد الرسمي المرافق على تأشيرات الدخول، بان يلجأ الى توجيه تهديد عسكري مباشر للادارة الاميركية بان قوات بلاده العسكرية سترد على اي  اعتداء عسكري قد تتعرض له بتحويل المنطقة الى ساحة مواجهة مفتوحة، وان الرد على اي ضربة لن يقتصر على الرد على مصدر الاعتداء بل على كل الاهداف الاميركية المنتشرة في المنطقة التي لا تقتصر على الدول الخليجية بل تشمل كل القواعد الموجودة في غرب آسيا، ما يعني ان الرد لن يكون محصورا من الجانب الايراني بل سيشارك فيه كل حلفاء ايران وما يعنيه ذلك من توجيه تهديد مباشر للامن الاسرائيلي واقتصادات واستقرار الدول الخليجية بشكل اساسي. قد يعني ان الحدود الفاصلة بين الدبلوماسية والعسكر قد سقطت لدى ادارة النظام الايراني، وان ظريف قرر ارتداء البذة العسكرية وان يتحول الى جنرال الدبلوماسية وان يتبنى منطق التهديد العسكري في ظل ارتفاع حدة التهديد الذي تواجهه ايران بعد ان عبرت الخط الاحمر او خط النار الى الجهة الاكثر اشتعالا بعد عملية الهجوم على منشآت ارامكو وتهديدها للاقتصاد العالمي وامن امدادات الطاقة، ما يضعها امام احتمالية تلقيها لضربة عسكرية تربك حساباتها التي لا تريدها ان تنتهي الى هذه النتيجة غير المحسوبة. 

حسن فحص – المدن

السابق
أسئلة عن إيران ومن خلفها
التالي
هذه الثغرة استند عليها التمييز لإعادة محاكمة سوزان الحاج