«إحكي يا شهرزاد» نسخة.. دريّة فرحات

شهرزاد
"حكايات شهرزادية"، و"وطنيّات شهرزادية"، و"شهرزاديات"، و"شهرزاد والحياة"، هي عناوين الأقسام الأربعة، التي يتألف منها، المتنن الحكائي للمجموعة القصصية التي تحمل عنوان: "إحكي يا شهرزاد"، للكاتبة اللبنانية الدكتورة دريّة كمال فرحات.

و”إحكي يا شهرزاد”، هو كتاب (صادر حديثاً عن “دار الأمير” في طبعة أولى، بيروت 2019) وهو يضمّ (34) قصة قصيرة منها: “الكومبيوتر والحُبّ”؛ “الهاجس”؛ “صدى الماضي”؛ “الرسالة الأخيرة”؛ “العيون الحائرة”؛ “العجوزان”؛ “غريبة”؛ و”عرس شهرزاد الجديد”.
وفي ثنايا هذا الكتاب حكايات لشهرزاد من هنا ومن هناك… مواقف من معاناتها ومن أزمتها في مجتمعها بقالب فني سرديّ…

ولقد صُدِّرت هذه المجموعة بكلمة الناشر مدير عام “دار الأمير” الدكتور محمد حسين بزي، تحت عنوان: “بمثابة تقديم..” ويقول فيها: أن تكتب عن الأدب؛ يعني أن تغتال كلماتك قبل شرفة الورق.. يعني أن تنسى نفسك وتسافر عميقاً في روح النص الذي تتنفس.. أن تحياه طويلاً بروحك دون أن تلتفت وراءك؛ إلا إذا ما انتبهت إلى دمك وقد ازداد ضخّه في عروقك على وقع الجمال.

اقرأ أيضاً: خالدة سعيد تعالج تحوّلات حداثويّة في ‌«أفق المعنى»

وأن تعيش الأدب؛ يعني ان تسلبك الدهشة حتى حقك في النقد إلى حين.. هكذا بدأت رحلتي مع جماليات نصوص العزيزة الدكتورة درية فرحات في مجموعتها القصصية “إحكي يا شهرزاد”.
شهرزاد التي كانت يوماً آخر النساء في حياة الملك شهريار، الملك الذي اعتاد أن يتزوج كل ليلة بعذراء ثم يقتلها في الصباح انتقاماً من خيانة زوجته..
شهرزاد هذه لم تكن مجرّد ابنة وزيره الجريئة، والتي تروي له القصص على مراحل مترابطة في “ألف ليلة وليلة” كي تضمن عدم قتلها في الصباح، بل كانت نقلة نوعية في أدب القصة (الطويلة)، وكانت ذكية وفطنة إلى حد أنها استطاعت البقاء على قيد الحياة في حياة شهريار، بل وأن تصبح حبيبته وملكته وآخر نسائه.
وكانت شهرزاد (فيما بعد) مصدر إلهام لكثير من الفنانين، أشهرهم ريمسكي كورسكاف الذي ألّف سيمفونيته الخالدة بإسم “شهرزاد”.
هكذا غلبت سلطة القصّة (الأدب) سلطة السيف؛ وكانت شهرزاد التي نعرف.
أما “شهرزاد” التي تحكي الآن فأمرها مختلف تماماً، فشهرزاد تلك كانت تحكي من تلقاء نفسها أو من قلق خوفها أو من شدّة حنكتها، قل ما شئت، لكنها دون ريب كانت مهجوسة بالانتظار وما سيؤول إليه أمرها.. لكن “شهرزاد” هنا لم تنتظر بأية قصة، من “تعويض” حتى “منتدون”، وقد قاربت الشعر في أواخر قصصها. ولم تنتظر أية مكافأة، وقد أدلت برأيها صراحة أو إلماحاً حسب سياقات نصوصها.
“شهرزاد” هنا لم تناضل من أجل أن تبقى (هي) على قيد الحياة كجسد؛ بقدر ما ناضلت لتبقى الحياة على قيد الإنسان كمبدأ يشتعل بالعدل والكرامة، فضلاً عن الحب الذي هو أساس المُثل بتعبير الصّوفيين.
“شهرزاد” هنا تناضل وتهتم بالورد والزرع والوطن والدمع والجمال والمرأة والرجل والحب والكبرياء والمجتمع والمحافل العلمية والأكاديمية والتكنولوجيا وتطوير المفاهيم، وأحياناً تجنح للحفر الفكري لاستخراج المبادئ المؤسسة للقيم الاجتماعية العليا، وكلها بحبكة القصة القصيرة، وهنا كانت براعة درية فرحات وفرادتها ومائزتها عن شهرزاد الأولى.
باختصار، “شهرزاد” هنا؛ أديبة رؤيوية حق لها أن نحتفل بها.

اقرأ أيضاً: «مالڤا» رواية تخلّي بابلو نيرودا عن طفلته المشوّهة

ونورد هنا نص قصة “كبرياء”
ارتمتْ على المقعد… وتأملتْ أرجاء الغرفة محتارة
تشعر بالألم…
كيف يمكن أن تقدّم الفكرَ
وقد تعرّض جسدها إلى استلاب فكريّ واجتماعي.
اغرورقت عيناها بالدموع،
فهربت إلى داخلها.. وراحت تُلملم بقايا الألم فيها.
سمعت دقات على الباب..
عادت انتفاضة الجسد خوفاً،
ولكن بقوة استنفرت كي تحمي ما بقي منها..
فُتح الباب.. دخل رئيسها
ها هو المجرم يحوم في مسرح جريمته.. ليخفي آثار فعلته على الضّحية.
تقوقعتْ في مقعدها.. ولم تستطع الحراك.
نظرت نظرة غاضبة مستعدة للانقضاض على أي اعتداء جديد..
تلعثم وارتبك، فلم يجد إلا ان يسألها عن اللغة التي تتقنها،
أجابته باحتقار واستهزاء: اقرأ ملف التوظيف.. فخرج وقد انكمش على نفسه.
فعادت إلى قوتها.. ووقفت من جديد..
وأكملت مسيرتها… رافضة أن يُدمّر، من وُضع في موضع المسؤولية، ما لديها من قيم آمنتْ بها..

السابق
الجيش: زورقان معاديان خرقا المياه الإقليمية قبالة رأس الناقورة
التالي
ترامب يوعز بتشديد العقوبات على إيران