سؤال الحرب

الرابعة والربع من بعد ظهر الأحد 1-9-2019 ردّ حزب الله بضربة موضعية على أحد معسكرات الجيش الإسرائيلي في مستعمرة «أفيفيم» المقامة على أراضي قرية الصالحة المدمّرة والمهجّرة، بقذائف الكورنيت المضادة للدروع، وأصاب آلية إسرائيلية. الإسرائيليون نفوا وقوع إصابات في صفوف جنودهم، ومصادر حزب الله أكدت أصابة حوالي أربعة جنود.
غير أن المهم هو حالة الاسترخاء التي حصلت على جانبي الحدود بعد ساعات معدودة من تنفيذ الضربة، كأن الجميع تنفس الصعداء، أمين عام حزب الله نفذ وعده، ونتنياهو لم يدفع ثمن اعتدائه على لبنان، وعادت الأمور إلى نصابها المعتاد، أو هذا ما أوحت إليه إشارات الطرفين.
الحرب ليست على الأجندتين الإيرانية والإسرائيلية الآن، نتنياهو اكتفى بإشاعة جو من التوتر قبيل معركته الانتخابية المصيرية، وحزب الله أعاد تأكيد قوته الردعية، بينما يتابع الأمريكيون حرب الحصار على إيران وحزب الله، وكان آخر علاماتها وضع «جمّال ترست بنك»، على لائحة الإرهاب، أي إقفاله عملياً.

اقرأ أيضاً: أيّ لبنان بعد سقوط القرار 1701!

نحن أمام صراع مفتوح في حرب مؤجّلة، وهي حرب تمتد ساحاتها من الخليج إلى لبنان، أي أن لبنان وفلسطين لم يعودا ساحتها الرئيسية، على الرغم من الدور المركزي الذي يلعبه حزب الله في الاستراتيجية الإيرانية.
السؤال هو دور العرب شعوباً ودولاً في سياق الصراع المتعدد المستويات الذي يدور على أرضهم.
لكني أريد في البداية الإشارة إلى حقيقتين، يجب أن لا تغيبا عن البال:
الحقيقة الأولى هي أن إسرائيل الصهيونية هي عدو العرب الأول، وكل محاولة لتغطية هذه الحقيقة، أو تهميشها، أو قيام بعض الأنظمة العربية بتحويل إسرائيل إلى حليف، هي انزلاق إلى العدم التاريخي.
الحقيقة الثانية هي أن أي عدوان إسرائيلي على أي بقعة من لبنان، هو عدوان على لبنان بأسره، ويجب أن يواجهه اللبنانيون جميعاً. كل كلام آخر هو دعوة إلى الانتحار الجماعي.
أين العرب من معادلة الصراع الدائر في أرضهم وعليها؟
حين نبحث عن الطرف العربي فإننا لا نجده، حتى ادعاء الدول الخليجية بأنها تقود الصراع وتشارك في تقرير السياسة الأمريكية هو مجرد وهم. كما أن عقود الاستبداد الوحشي الذي صنعته الديكتاتوريات وأنظمة الحكام الأبديين أوصلت المشرق إلى الدمار الشامل: ملايين اللاجئين، مدن صارت ركاماً، بلاد سائبة، وجيوش أجنبية وميليشيات، وغياب لفكرة الوطن.
تعالوا ننظر إلى خريطة المشرق العربي، لنرى بؤس هذه البلاد وهي تسقط في الغياب، ونكتشف أن هناك ثلاث قوى إقليمية تتصارع على أرضنا: إسرائيل وإيران وتركيا، إضافة إلى القوتين العظميين: أمريكا وروسيا. ومن بين الأصوات التي تتصادى في بلادنا لا نعثر على صوت عربي واحد. كل بلاد الشام صارت ساحة لنزاع هذه القوى، حتى فلسطين بقضيتها ونضال شعبها تغيب خلف ضباب هذا الصراع.

السؤال ليس مع من نتحالف ومن نعادي كي تجتاز منطقتنا هذه المرحلة الرهيبة، بل السؤال يتعلق بالوجود العربي في أرض العرب، وبتلازم قضيتي الديموقراطية ومقاومة الاحتلال الصهيوني.
فكي تتحالف يجب أن تكون موجوداً، وإلا تحولتَ إلى عميل صغير، ومجرد بقرة حلوب عرضة لابتزاز أمريكا وإسرائيل كحال دول الكاز والغاز، التي ارتمت في الحضن الإسرائيلي وصارت كمن يحفر قبره بأظافره.
إن أي قراءة لخريطة الصراعات في المنطقة تشير إلى أن الصراعات التي خاضتها أنظمة الاستبداد ضد شعوبها لم تكن سوى أدوات للتفكك: سوريا صارت ملعباً، وفلسطين الممزقة بانقسام سلطتيها تحولت إلى مجرد اسم بلا مسمى، وسمحت للعربدة الاستيطانية الصهيونية بالوصول إلى نقطة اللاعودة. والسعودية التي شنت الحرب على اليمن تحولت إلى جسر للخراب في الجزيرة العربية ولم تعد تستطيع حماية نظامها إلا عبر اللجوء إلى السيدين الأمريكي والإسرائيلي. أما مصر المحروسة بالعسكر فلم تعد جزءاً من أي معادلة إقليمية أو دولية، بل صارت نموذجاً لنجاح العسكريتاريا في وأد الحرية وتحويل دولة كبرى إلى جمهورية موز. وإلى آخره…
هذا هو واقعنا الذي يحاول المحللون تغطية ثقوبه بكلام استراتيجي قد يكون مهماً في بعض الأحيان، لكنه للأسف لم يعد يخاطبنا.
الضيق العربي بالدور الإيراني المستجد في ملف الصراع مع إسرائيل، يثير السخرية. فالذين انسحبوا من الصراع، بل وأصبحوا حلفاء إسرائيل هم المسؤولون عن تعاظم الدور والنفوذ الإيرانيين.
فالذي يجهله أتباع ترامب من العرب هو أن الحياة لا تحتمل الفراغ، فالصراع مع الاحتلال الإسرائيلي حتمي. المشروع الصهيوني هو أداة توسع عنصري وقوة عسكرية كولونيالية، لا تهدد فلسطين وحدها، بل تهدد الوجود العربي برمته.
انسحاب الأنظمة العربية من الصراع لا يعني أن الصراع انتهى، بل يعني أن هناك قوى أخرى ستدخل الصراع وتكون هذه القوى الجديدة تهديداً إضافياً لنظام عربي متهالك.
أما في لبنان فلقد علمتنا تجربة مئة عام، من عمر دولة لبنان الكبير، أن قوى الطائفيات السياسية لا تبني أوطاناً، بل أن إنجازها الأكبر هو أنها قامت بتصغير لبنان الذي ورثته عن الاستعمار الفرنسي، صغّرته كي يطابق ضِعتها وتفاهة طموحاتها.
الطوائف اللبنانية تدّعي بأنها فوجئت بتحوّل لبنان إلى ساحة صراعات إقليمية مدمّرة، كأنها ليست هي نفسها أدوات إقليمية، ولم تكن رقصاتها مع إسرائيل ومع النظام الاستبدادي في سوريا ومع الدول الخليجية، مقدمة لهذه المرحلة.
هل خرج العرب من التاريخ وتحولوا إلى مجرد جغرافيا ترتسم خطوطها بدمائهم؟
هذا هو السؤال الذي علينا أن نطرحه على أنفسنا، ونحن نواجه القرار الإسرائيلي بابتلاع كل فلسطين.

السابق
عملية سطو وإطلاق نار فرنسبنك – أبي سمراء
التالي
بعبدا تطلق «النفير» الإقتصادي.. وعجاقة لـ«جنوبية»: لا ضرائب جديدة