ديما جمالي: مشكلتي «ما بعرف كذّب»… وأخطائي لا تؤذي!

أكثر ما كان يُثلج قلب أدولف هتلر هو عدم محاسبة الناس للسياسيين وهو طالما ردّد: “من حسن حظّ الحكّام أن الناس لا يُفكّرون”! فهل الناس لا يفكّرون أو هم يفكّرون خطأ؟ ديما جمالي، نائبة طرابلس، ينهشها “تفكير” الناس الفائض في تأليف النكات عن أخطاءٍ وقعت فيها وهي “تفكر”: لِمَ لا يفكر هؤلاء بأمورٍ أهم؟ لماذا لا يراقبون من يسرق ومن يعبث ومن يعيث فسادا؟ ديما رشيد جمالي، المرأة المثقفة الناجحة الجميلة قالت إنها ما عادت تتأثر بكلامِ الناس لكن عينيها الصادقتين فضحتاها!

الجميع ضحك لأخطاءٍ اقترفتها، وهذا طبيعي، لكن بعد “القهقهات” والنكات حان موعد الاستفسار منها عن كلّ شيء. فلماذا تتكرر أخطاء أول امرأة انتخبت نائبة عن طرابلس؟ تجيب بابتسامة: أهم ما يعنيني في كلّ ما يُحكى ويتم تناقله هو أن الناس سعداء، لا يتأذون. ثمة أخطاء في السياسة لا تزعج وهناك أخطاء فادحة خطيرة. أشكر الله أن أخطائي من النوع الأول. 

اقرأ أيضاً: قصة مروعة لتعذيب النظام لشابة سورية بالكهرباء..

ما استغربته نائبة طرابلس هو هتمام الناس بالقشور وإغفال اللبّ وتستطرد: تسعون في المئة من الأخطاء التي سُجلت باسمي لم أرتكبها شخصيا. عبدالله (الزميل عبدالله بارودي) أمضى أكثر من عشرين عاما في مهنة الصحافة من دون أن يقترف أخطاء لكنه، في اليوم الخامس على تسلمه عمله معي مستشارا اقترف خطأ تسمية جوزف طربيه (الرئيس السابق لجمعية المصارف) نهاد طربيه “إنو شو بعمل؟ بزعل؟ ما بقا إزعل”. 

ديما جمالي، البروفسورة في الجامعة الأميركية في بيروت، وأستاذة كرسي كمال الشاعر في القيادة المسؤولة، الحائزة دكتوراه في السياسة الإجتماعية والإدارة من جامعة كانتربري إقترفت، أو اقتُرفت باسمِها أخطاء، فهل تتذكر الخطأ الأول؟ 

قبّة أو قبّاني؟

في فترة الانتخابات كتبت صبية تعمل معي على حسابات السوشيل مــيديــا الخاصة بي “القبة بدل القباني” فقامت الدنيا ولم تقعد وقالوا: ديما جمالي لا تميز بين “القبة والقباني”. “إنو شو بعمل؟”. شركة الإعلانات “ميماك” التي سلمتها حملتي الإنتخابية كتبت في “بوست” طرابلس الغرب بدل طرابلس و”قامت القيامة” عليّ وبدأ سالم زهران يقول: ديما جمالي لا تميز بين طرابلس الغرب وطرابلس لبنان. “إنو شو فيي أعمل؟”. أما العبارة التي انتشرت عبر “أو تي في” عن رشوة أهالي طرابلس فأتت مجتزأة. مشكلتي أنني صريحة زيادة عن اللزوم و”ما بعرف كذّب”. 

وما قصة “الجاكيت” التي أقفلتِ أزرارها خطأ؟ تجيب بابتسامة: كنت مستعجلة جدا فأقفلتها خطأ. “بتصير” مع كل العالم. “وين” المشكلة؟ هل نفهم من هذا ان النائبة جمالي في حياتها العادية “معجوقة”؟ الضغط كبير. أعمل أكثر من كثيرين، من الثامنة صباحا حتى الثانية عشرة ليلا. أخذت فرصة طويلة من الجامعة الأميركية كي أعطي كل وقتي لطرابلس.

ديما، ابنة رشيد جمالي رئيس بلدية طرابلس سابقا، أتت من خلفية مهنية ناجحة جدا لكنها ليست متمرسة في السياسة ولا في الدستور والقوانين وهـــي تعرف. ألم تسـتعن بمن يُرشدها حـــول الإطلالـة السليمة وأسـلوب الكلام السليم ومــا يقال وما لا يقال في السياسة وبتكتيكاتِها الصغيرة؟ تجيب: لم أبالِ في هذا الموضوع. إعتقدتُ أن ما تعلمته يكفي. ظهرتُ أمام الملأ في أهم وأضخم المؤتمرات. ولم “أعتل” يوما همّ الكلام. ثقتي بنفسي كانت كبيرة لكني اكتشفت بعد النيابة أن الجمهور مختلف ولم أعر الإستعدادات التي يقوم بها من يصبح Public figure أهمية. إعتبرتها “طق حنك”. لم أظن أبدا أنني سأكون تحت مجهر الإنتقادات لأخطاء بسيطة. ظننتُ أن الجمهور يعترض على مسائل أهم وأكثر عمقا. جئت الى النيابة بمخزوني المهني ووضعتُ كل طاقتي في العمل. أردتُ إنجاز نتائج سريعة تفيد طرابلس وأبناء طرابلس. فكرت أن أكون نفسي، أن اكون أنا، ويبدو أنني أخطأت. 

“ماركتينغ” الأخطاء

ثمة أخطاء يدفع الإنسان ثمنها وهناك أخطاء، من نوع أخطاء ديما جمالي، لكثرةِ ما تُتداول تُصبح بمثابة “ماركتينغ”. والنائبة جمالي تعترف بهذا وتقول:

Bad marketing is good marketing وأحلى شيء في أخطائي، سواء التي ارتكبتها أو التي ارتكبت باسمي، أنها بريئة. وتستطرد بابتسامة: أصبحتُ أحد أشهر النواب الجدد في البرلمان. والناس لا يرونني “سئيلة”. لكن، بصراحة، ألم تنزعجي أقله في البداية؟ بلى، لكني اعتدت. انزعجتُ في البداية كثيرا ثم أقلّ ثم أقلّ وحين ناديت “أنطونيو” أمام المجلس الدستوري وسألته “ليش نحنا هون؟” ضحكت كثيرا. وأصحابي يرسلون إلي النكات ونضحك معا. وكُلّ من أصادفه يقول لي: ديما حافظي على عفويتك. وأنتِ أهضم نائب في البرلمان وأكثرهم طيبة. وهذا صيت جميل. 

أصدقاؤها يضحكون لهفواتها. وهي باتت تضحك لها لكن، بصراحة، ألم يلمها أحد؟ تجيب: أكيد، في البداية كنتُ “أعتل” همّ كلّ العائلة: زوجي (معتصم الفاضل) وولداي (عمر وليا) وإخوتي وأخواتي. ليس سهلا تركيز الإعلام، في شكلٍ سلبي، على شخص كما ركّز عليّ. البارحة كلمني شقيقي وتناولنا الموضوع فقال لي: لا تفكري بكل المسائل السلبية ولا تعطها أهمية. وتستطرد: نحن غير معتادين على هذا النوع من ردود الفعل خصوصا حين يتحول الى تجريح شخصي. هناك أشخاص ارتكبوا جرائم فليتوجه إليهم الناس. 

“غنّوجة البيت”

ديما جمالي تحب طرابلس لكن ماذا عن طرابلس هل تبادلها الشعور؟ تجيب نائبة المدينة: تقبّلني الناس حتى أكثر مما توقعت لكن هناك في المقابل من يعتبر أنه يستحق المقعد أكثر من ديما جمالي. حين ينظر إليكِ أحدهم من منطلق غيرة لن يرى فيكِ سوى كل شيء قبيح. هناك من أزعجهم أنني أعمل ولا يناسبهم أن أفعل هذا في حين هم لا يعملون. لكن، في الإجمال، أملك الكثير من المحبين وأفتخر بمحبة الناس. أنا نموذج جديد في السياسة اللبنانية وفي طرابلس. وأنا بطبيعتي “غنوجة”. أتكلم بدلال. تدللتُ كثيرا في حياتي لهذا أتكلم بأسلوب يستفز من اعتاد على أسلوب صارم “قاسٍ”. 

ديما رشيد جمالي هي الإبنة الكبرى في بيتٍ من ولدين وابنتين. وتقول: كلّ الدلال لم يمنع تميّزي المهني وتفوقي. ويوم طلب مني الرئيس سعد الحريري الوقوف الى جانبه والترشح عن طرابلس وافقت. وماذا رأى الرئيس سعد الحريري في ديما جمالي ليختارها دون سواها؟ تجيب: “يبدو أنه كان يريد تشجيع العنصر النسائي. هو يعرف عائلتي ويدرك تماما أن لنا حيثية في المدينة وهو تعرّف على نجاحاتي في الخارج وأدرك في نفس الوقت تواضعي ومصداقيتي واندفاعي. هذا على الأرجح ما حصل لكن يبدو أننا في مجتمع لا يتقبل أن تكون المرأة في كامل أنوثتها وتعمل في السياسة. الأنوثة لا تتضارب يا عالم مع نجاح المرأة في كل الميادين. 

والدي فخور بي

نجحت ديما جمالي في توفير مشاريع حيوية لطرابلس وفي خلق فرص عمل لشباب وشابات طرابلس وفي الإسهام في إنشاء “بوتيك أوتيل” على الميناء وأمنت 150 منحة دراسية و”حطّت راسها براس الشغل” لكن ماذا بعد؟ ماذا لو عاد رشيد جمالي الى الحياة؟ هل كان ليهنئها على خوضها المجال السياسي؟ تحبسُ ديما جمالي دمعتين بين جفنيها وتجيب بصوتٍ فيه كثير من الحيرة والألم: عشق والدي طرابلس. كنتُ أراه يركض ليل نهار بكل محبة وعطاء وتواضع. أعطى المدينة كُلّ ما استطاع. نعود لنسألها: ماذا كان لينصحها؟ وبماذا همست له، أمام قبره، يوم فازت في الإنتخابات؟ تجيب: أفكّر فيه يوميا. كان فخورا بمسيرتي الأكاديمية وطالما أخبروني بأنه كان يتأثر كثيرا وهو يتحدث عني بفخر. ودائما أفكر ترى لو كان حياً هل كان نصحني أن أبقى في الجامعة. تغمض عينيها. تتوقف عن الكلام. تغص. نائبة طرابلس حساسة جدا. صداقاتُ ديما جمالي في المجلس النيابي كثيرة وتقول: ثمة مودة بين النواب وهم يحبونني ويساندونني. وهذا ما تلمسه الرئيس الحريري. والحمدلله الأجواء في المجلس أحلى من أجواء الشارع.

السابق
ظريف: رئيس وزراء اليابان لم يحمل رسالة من ترامب إلى خامنئي
التالي
قوى الأمن: توقيف قاصر يبتز شباناً ويهددهم بنشر صور وتسجيلات فاضحة