غالب ياغي يوثّق ملامح من تاريخ بعلبك في «خبايا الذاكرة»

غالب ياغي
رئيس بلدية بعلبك السابق، المحامي الأستاذ غالب ياغي، وفي كتابه الموسوم بـ"خبايا الذاكرة" (علاقات وأدوار)"، يوثّق وقائع أحداثٍ مفصليّة، لعبت – مجتمعة – دوراً أساسياً، في تشكيل ملامح التاريخ الراهن والحالي، لمدينة بعلبك في العصر الحديث.

وهذا الكتاب الصادر في طبعة أولى 2018، هو من إخراج وتصميم مؤسسة “أفكار”. وتتوزّع موادّه على ما يربو على الـ450 صفحة من القطع الكبير.

ويُساهم ياغي في كتابة جزءٍ محوريّ من تاريخ هذه المنطقة العريقة من لبنان، من موقع المشارك في بعض وقائع ما دوَّنه في هذا الكتاب، ومن موقع الشاهد على بعضها الآخر.

ومن هنا يشكّل كتابه هذا، مرجعاً تاريخياً مهماً، في توثيقية مصدريّة تتصف بالدقة والموضوعية، فلقد جاء “خبايا الذاكرة” ليسدّ ثغرة كان لا بد من سدّها في مجاله، التناوليّ والتدويني معاً.

اقرأ أيضاً: خالدة سعيد تعالج تحوّلات حداثويّة في ‌«أفق المعنى»

وهذا الكتاب المزوَّد بوثائق تاريخية تُغني مضمونه، يتألف متنه من عشرة فصول، مسبوقة بكلمتي: “إهداء” و”شُكر”، ومقدِّمة. والفصل الأول يغطي الفترة ما بين (1920 و1938)؛ والفصل الثاني يتناول فترة (1938 – 1945)؛ والفصل الثالث يقدّم وقائع فترة (1945 – 1956)؛ والفصل الرابع يتمحور حول حقبة (1957 – 1958)؛ والفصل الخامس يقدِّم أحداث فترة (1958 – 1959)؛ والسادس يتناول حقبة (1959 – 1962)؛ والسابع يتمحور حول حقبة (1962 – 1967)؛ والثامن يتحدث عن مرحلة (1967 – 1970)؛ والتاسع يتمحور حول مرحلة (1971 – 1998)؛ والفصل العاشر والأخير يعالج “العمل البلدي (في بعلبك) في الحقبة الممتدة ما بين (1998 و 2018)”.

وحمل الغلاف الأخير التوضيح التالي للكاتب: هذا الكتاب ليس بمذكرات ولا بتأريخ لفترة زمنية معينة وليس بسيرة ذاتية وإن كان قد اتخذ هذا المنحى في بعض عناوينه. هذه الصفحات مجرد خواطر وذكريات عن أحداث عايشتها أو سمعتها ممن شارك فيها منذ إعلان دولة لبنان الكبير وحتى اليوم.

اعتمدت في الكثير مما كتبته على ما اختزنته الذاكرة. والبعض الآخر على ما لديّ من وثائق. إذا كانت بعض التواريخ ربما تشوبها شائبة بسبب طول الفترة الزمنية إلا أن الأحداث الواردة فيها صحيحة وأكيدة. إذا كان البعض لا يشاطرني الرأي في النظرة إلى بعض الأمور فهذا من حقه. لقد حاولت اعتماد الموضوعية في عرض الأحداث لأن غايتي إيصال الحقيقة إلى الناس بعد ما شوّهت زمناً طويلاً. إن هدفي من تدوين هذه الذكريات هو إطلاع الناس على بعض الأحداث. وإفساح المجال امام البعض الآخر من أبناء بعلبك أو غيرهم من الذين يرغبون كتابة تاريخ المرحلة المنصرمة.

أما مضمون المقدِّمة فهو: خبايا الذاكرة كتاب يهدف إلى إلقاء الضوء على بعض الأحداث المهمة التي مرت بها بعلبك منذ الانتداب الفرنسي على لبنان وحتى أيامنا هذه.

الكتاب يتناول أيضاً تجربتي النضالية على الصعيد الوطني والعربي. منذ انتسابي إلى القسم الفرنسي في الجامعة الأميركية خلال العام الدراسي 1953 – 1954 وانتخابيّ رئيساً للنادي الأدبي حيث بدأت أشعر بضرورة الانخراط في الشأن العام وقد تُوج هذا النشاط بانتسابي لحزب البعث العربي الاشتراكي خلال دراستي في الجامعة. لم أكن بعيداً عن مبادئ البعث، فمنذ تفتح الوعي عندي أحسست بانتسابي إلى أمة عربية ساهمت في صنع الحضارة.

لقد نشأت في بيت عربي الهوى، هذه النشأة كان لها الأثر الأكبر في خياراتي. لقد توافق انتسابي إلى البعث في فترة بروز وتصاعد دور الرئيس جمال عبد الناصر وقيام الثورات العربية في دول شمال أفريقيا.

كانت سنوات الخمسينيات عابقة برائحة النضال القومي العربي، لكن تآمر الدول الكبرى كان لنا بالمرصاد لقمع الحركات التحررية التي انتفضت ثأرا لهزيمة فلسطين، مما دفع بالغرب الاستعماري لاستخدام بعض الضباط المغامرين للقيا بإنقلابات عسكرية لامتصاص نقمة الشارع العربي وإجهاض أي تحرك شعبي في مهده.

اقرأ أيضاً: كتاب أحاديث الأزمنة للمؤرخ إبراهيم بيضون

كان الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية قد اعتمدوا في دول العالم الثالث على حكم العسكر باعتبار أن الجيوش هي أكبر الأحزاب تنظيماً وانضباطاً وأشدها قمعاً لمواطنيها.

لقد اختلطت صفحات هذا الكتاب بين الخاص والعام، فمع إقامتيّ في بيروت لم أنقطع أسبوعاً واحداً عن بعلبك حيث شاركت في معظم الأنشطة المحلية والوطنية والعربية باستثناء الحرب اللبنانية البغيضة التي بدأت عام 1975. لقد غادرت لبنان إلى الخارج خلال تلك الفترة لأني كنت مدركاً أبعاد المؤامرة التي كانت تحاك ضد الفلسطينيين واللبنانيين على السواء وقد أشرت إلى ذلك في هذا الكتاب.

لقد كان لبنان ضحية صراع الآخرين على أرضه ومن المعيب حقاً أن تُزج الحركة الوطنية في هذه الحرب العبثية. نأمل عودة الوعي الوطني والقومي إلى عقولنا بعد ما زُجت شعوبنا في الصراعات الطائفية والمذهبية.

السابق
«مازن معضم» للممثلين السوريين: اسمحولنا بقى!
التالي
أصحاب المولدات الكهربائيّة في صيدا يدعون المظلومية ويُطالبون وزارة الاقتصاد بتسعيرة عادلة