…صدمات نفسية عالمية، ما بعد الخيبة…

عاد الجنود الاميركيون بعد حرب فيتنام الى بلادهم حاملين في داخلهم ليس فقط هزيمة الأشرار بل أيضاً حاملين في أجسادهم أنفساً مضطربة ومريضة تعاني من عُصاب ما بعد الصدمة النفسية.

آلام الكثيرين في القرن الواحد والعشرين منشأها ومصدرها خيبات نفسية كبرى عاشتها الامم والشعوب والأفراد إثر صدمات نفسية عظمى تركت بصماتها المؤلمة على الحضارة.
لكي تفهم إضطراب وتوتر وأهداف وآلام ونوايا الإخوان المسلمين وحزب التحرير وحماس وتنظيم القاعدة وجبهة النصرة وتنظيم الدولة الاسلامية في بلاد الشام وطالبان وما شابههم في تركيا وطاجكستان وغيرها من البلاد الاسلامية من تيارات إسلامية سلفية وجهادية عليك أن تبحث في الجرح النفسي لأهل السنة والجماعة عند سقوط الخلافة الإسلامية العثمانية التي كانت تجسيداً لشخصيتهم الجماعية ولأفكارهم ولمعتقداتهم الدنيوية والإلهية، الواقعية والما ورائية والتي في سقوطها تسببت بجرح نرجسي ما زال ينزف افكاراً ومحاولات مؤلمة لإعادة هيكل الخلافة الاسلامية اي لاعادة ترتيب وتركيب وتنظيم الأنا الجماعية الاسلامية بهدف إحيائها ليعيدوا الحياة الكريمة لأنفسهم لتستقر وترتاح أناهم في الدنيا ولترقد بسلام عند موتها، هؤلاء يعانون من عُصاب متطور ما بعد صدمة سقوط الخلافة واخطر ما في هذا العصاب المتطور جنوحه للذهان والهذيان وفوضى “الأنا” في حال المنع والقمع والوقوف سدّاً أمام مشروعهم الإسلامي.

اقرأ أيضاً: «يمامة» عرجاء وعصاتها قصيرة!

لكي تعي إضطراب و توتر واهداف وآلام ونوايا العروبيين والداعين لوحدة الأمةالعربية كدولة واحدة متكاملة من ناصريين وبعثيين ومن قوميين عرب وما شابههم في الدعوة تلك عليك ان تبحث في الجرح النفسي الذي نتج عن هزيمة الرئيس جمال عبد الناصر في اليمن وفي حرب 1967 وفي فشل الوحدة بين مصر وسوريا وفي تعملق دولة السرطان اسرائيل في قلب الامة العرببة اذ كانت مرحلة الخمسينات والستينات من القرن الماضي، مرحلة نهضة الامم ، ما انتج جرحا نرجسيا نازفا لدى اتباع العروبة وما زادهم احباطا واكتآبا اكثر ما حصل بعد دولتي البعث المخابرتيتين المتسلطتين و المتناحرتين في سوريا والعراق وما شابههما في ليبيا العقيد القذافي وهذا الكلام يصح جزئيا على الحزب السوري القومي الاجتماعي بعد صدمة اعدام الزعيم انطون سعادة..
لكي تدرك اضطراب وتوتر واهداف وآلام ونوايا اليساريين العرب وغير العرب من احزاب اشتراكية وشيوعية وما شابهها في العالم عليك ان تبحث في الجرح النفسي العميق والخيبة يوما ما بعد يوم عند سقوط ايقونة النضال وهيكل الافكار والتجربة الاشتراكية وهيمنة الملكية العامة المتجسدة مجتمعةبالاتحاد السوفياتي العظيم ما تسبب عند اتباع اليسار العربي و العالمي بجرح نفسي نرجسي نازف للشخصية اليسارية الى حدّ القتل والموت ففي الوقت الذي كان اليساريون الامميون يكافحون من اجل الاشتراكية في اطراف العالم كاميركا الجنوبية وكوبا واليمن والسودان ولبنان، توقف نبض قلب الماركسيين اللينينيين في موسكو بفعل تآمر خسيس ودس للسم ًفي جسد الدولة، ما عملق الخيبات في الانفس وجعل شعور اللاجدوى يطفو على سطح الفكر العالمي، هذا الفكر العالمي الذي يعاني من فراغاً عظيما بعد توقف الصراع الفكري الايديولوجي بين دعاة اممية ومساواة واشتراكية وبين انانيين اشرار راسماليين لا ينتجون الا الفقر والحروب.
إن أخطر ما ينتظر أهل الشيعة الإمامية حاليا هو احتمال اصابتها بصدمة نفسية جماعية بعد صدمة سقوط الجمهورية الاسلامية في ايران إذ غالى اتباع المذهب في آمالهم ورهاناتهم الدنيوية والالهية وغالوا في تقديس قادتهم وابطالهم مسقطين الغيبيات الالهية على نشاة دولتهم وعلى حركتها وحركة الاحزاب التي تدور في فلكها ومنها حزب الله وكأن المخلص الامام المهدي (عجل الله فرجه) سيخرج اليوم قبل الغد لينصر شيعة الامام علي بن ابي طالب(ع) واتباع محمد (ص) وكل من يقول لا اله الا الله محمد رسول الله وان عدنا في الذاكرة نذكر كيف تطوع الكثيرون منهم في تمجيد بدايات الربيع العربي اعتقادا خاطئاً منهم ان ذاك الربيع صدى لصيف ثورتهم الاسلامية.
إن انتصرت الجمهورية الاسلامية مع امتداداتهاالحزبية فمن الله (ج) وإن هزمت فمن خيانة من؟
كي لا تصاب الشيعية الاسلامية السياسية بعصاب ما بعد الصدمات والخيبات العظمى ولكي لا يصبح حالهم كحال احزاب اهل السنة والجماعة التي تطور عصابها الى ذهان وهذيان ففوضى مدمرة عليهم وعلى الاوطان وعلى الامة عليهم التخفيف من اسقاط الغيبيات على مجرى الاحداث ووعي واقعية الامور وعدم اسقاط الميتافيزيقيا على القيادات فلا احد كان يقف خلف السيد القائد الحبيب على قلوبنا حسن نصرلله ولم يربت على كتفه أحد…
احتمال الهزيمة وارد دائماً فإن كنا غير قادرين على الانتصار والنجاح فعلى الاقل علينا تنظيم فشلنا والاستعداد لما بعد هزيمتنا هذا ما يقوله مسار التاريخ وليس مسار تشاؤمنا او كرهنا لا سمح الله.
سلسلسلة الخيبات وأثر ما بعد الصدمات الكبرى في العالم كثيرة ولكننا اختصرنا قدر الإمكان كي لا نزعج أحداً منكم…
وأخيراً:
“إن ينصركم الله فلا غالب لكم”
حميدة التغلبية

السابق
«يمامة» عرجاء وعصاتها قصيرة!
التالي
همس دولي في بيروت حول إخراج إيران من سوريا: من يتذكر عام 1982؟