في تعريف «الزْمِكّْ»

«الزْمِكّْ»، كلمة عامية تُستخدم في لبنان، وقد حوّلها الناس من صفة إلى شتيمة في كلامهم اليومي. غير أن الكلمة فصيحة حسب المعلم بطرس البستاني في «محيط المحيط». «الزَمَكة من الرجال: العَجِل الغضوب الأحمق القصير». جعلت العامة الفتحة فوق حرف الميم كسرة، والتاء المربوطة شدة، فصرنا نقول الزمِكّْ، بدل زَمَكة، وجعلنا من هذه الصفة شتيمة.
لا أعتقد أن هناك كلمة أكثر دقة في وصف موجة الجنون الجيني وهستيريا ملاحقة اللاجئين السوريين في لبنان التي أطلقها وزير الخارجية وصهر رئيس الجمهورية، من هذه الكلمة الرائعة التي تفشّ الخُلق، كما نقول.
ليس هدفي أن أشتم، رغم أنني أعتبر الشتيمة جزءاً أساسياً من اللغة. ضرورة الشتيمة تأتي من كونها استعارة تلخّص القيم الاجتماعية وتعبّر بكلمات قليلة عمّا تعجز مقالات مستفيضة عن التعبير عنه.
صحيح أننا مُتهَمون بالإكثار من الشتائم، وهذه عادة لبنانية تثير استغراب كثيرين من الناطقين بالعربية، وسبب الاستغراب يعود في رأيي إلى فهم الشتيمة بمعناها الحَرْفي، وهنا يقع سوء التفاهم. المسألة يجب أن تُقرأ في سياق تحليلنا لدلالات الشتيمة ودورها في لغة الكلام.
الشتيمة مجاز، وهي لا تعني ما تقوله بشكل حَرْفي، إذ يجب أن نفهمها بصفتها تشير إلى ما لا تقوله. إنها أداة تعبير مدهشة في قدرتها على تلخيص الانفعالات وتجسيدها بشكل رمزي وخلاق في كثير من الأحيان.

اقرأ أيضاً: اليابان وألمانيا في إيران… رسائل التاريخ

غير أن قاموس الشتائم يحتاج إلى مراجعة، تبعاً لتغيّر القيم الاجتماعية، وهذا يعني أنه في حاجة دائمة إلى التجدد والتغيير، وهذه مسؤولية الأدباء المحدثين، الذين لا يزال معظمهم محافظاً في استخداماته اللغوية، فقد قامت مرحلة عصر النهضة بحذف أو استبدال كلمات أساسية بحثاً عن حشمة لم تكن موجودة في العصر العباسي أو في الأزمنة السابقة عليه.
مراجعة الشتائم اليوم تفترض، في رأيي، ضرورة حذف التعابير الذكورية والعنصرية واستبدالها بكلمات واستعارات جديدة.
لا يعني التجديد التخلي عن كل الكلمات القديمة، إذ قد نجد في المخزون الشتائمي الكبير كلمات مدهشة يجب استعادتها إلى الفصحى المعاصرة، وربما كانت كلمة «زمِك» هي الأكثر قدرة على التعبير عن الاحتقار والاستهجان والشعور بالغثيان في مواجهة العنصريين.
من العبث الدخول في نقاش جيني مع أي «زمك» يتحرّش بعامل سوري أو فلسطيني، فهذا النقاش هو إهانة للكلام، بماذا تجيب حثالة القاموس النازي الذي صار استخدامه معيباً، ولا نجده اليوم إلا عند سفهاء التيارات العنصرية الإسرائيلية؟ هل يمكن الدخول في نقاش مع الذين يقومون بمطاردة اللاجئين السوريين بكاميرات التلفزيون البرتقالي التابع للعونيين، مسلحين ببسطار السلطة التي أُعطيت لهم من قبل حزب الله؟

هذا «التزمّك» أو «الاستمزاك» مرض لا علاج له، وهو يجد ساحته الوحيدة في ما كان يسمى خلال أعوام الحرب الأهلية «المناطق الشرقية»، حيث لا رادع ولا من يردعون، وحيث يتملك هؤلاء «الزمكات» شعور بأنهم ورثاء بشير الجميل، عبر الشحن الطائفي والعنصري الأعمى.
وليس غريباً أن يكون دعاة التفوق الجيني اللبناني، الذين يصنعون حملة الكراهية ضد السوريات والسوريين، حلفاء النظام الاستبدادي في دمشق. تخيّلوا هذا المشهد، حلفاء سوريا هم أعداء الشعب السوري الذين يعلنون تفوقهم «الجيني» على شعب اللاجئين.
لن ننصحهم بالتوقف عن هذه الحملة المسعورة، فأنت لا تستطيع أن تنصح من أعماه الحقد. ضعفاء العقول والنفوس، الذين يعرفون جيداً أنهم الأضعف في المعادلة اللبنانية، وأن استقواءهم نابع من السلاح الذي يحمي انتفاخهم الوهمي بالسلطة، هؤلاء يتمرجلون على اللاجئ الضعيف الذي طرده الوحش المستبد من بلاده. لقد وجدوا في السوريين اليوم مكسر عصا، مثلما سبق لمن كان قبلهم أن جعل من الفلسطينيين المضرّجين بمذبحة شاتيلا وصبرا كبش محرقة الحرب الأهلية.
يعرف هؤلاء الطائفيون أن لعبة الجينات التي بدأت ضد السوريين مرشحة للامتداد ضد اللبنانيين الآخرين. ألم تبدأ الحرب الأهلية بخطاب كراهية ضد «الغرباء» الفلسطينيين ثم صار كل اللبنانيين الذين لا ينتمون إلى «الطائفة المختارة»، أعداء يمكن قتلهم.
كيف تردّ على «عصفورية» تعيش في «معالي» هستيريا الرؤوس الحامية التي تعتقد أنها عبر بث أشد الأفكار تفاهة ووحشية تستطيع أن تستعيد زعامة ضاعت، وهيمنة انتهت، أو أن تمحو خطيئة العمالة لإسرائيل بخطيئة تغطية نظام الجريمة في دمشق وتشكيل رديف له يقمع ويضطهد الناجين من براميله وأسلحته الكيميائية.
صحيح أنني لا أملك لغة شبيهة بلغة الزمكات كي يستوعب هؤلاء ما أريد أن أقوله لهم، لكن لي رجاء واحد، أن يتمسكوا بخطابهم ولا يستبدلوه حين ينقلب الزمن، وهو سينقلب، لأن هذا هو قانون الحياة، رجاء لا تعودوا إلى لغة الإحباط والتباكي مثلما فعلتم حين انسحب الإسرائيليون وتركوكم لقمة سائغة بين فكي النظام السوري.
يجب أن تعرفوا أنكم تربّون الحقد في نفوس أبناء الشعب السوري، وفي نفوس كثير من اللبنانيين، وأن ثمن هذا الحقد سيكون كبيراً وموجعاً.
أسفي أن أعوام الهيمنة الســــورية وأعوام زمن الاغتيالات أفقدانا القدرة على ردعكم من أجل إنقاذكم من أنفسكم.

السابق
…كبرياء أم سعادة!؟…
التالي
«ضغط رباعي» على الوجود الإيراني في سوريا