دول كثيرة للاجئين الفلسطينيين!

اللاجئين الفلسطينيين

ديفيد سترفيلد هو الدبلوماسي الاميركي الذي يهز في هذه الايام لبنان. قام مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الاوسط بزيارة بيروت مرتين خلال اسبوعين من اجل القيام بمهمة وساطة بين لبنان واسرائيل في موضوع ترسيم الحدود البحرية والبرية بينهما. سترفيلد الذي يتحدث العربية بطلاقة والذي خدم تقريبا اربعين سنة في الشرق الاوسط، منها كسفير لأميركا في لبنان في 1998، هو شخصية معروفة جيدا في الحكومة اللبنانية وليس بالضرورة شخصية محبوبة. الآن وهو يمثل ادارة ترامب في هذه المفاوضات الحساسة ينظر اليه كمن يخدم بالاساس مصالح اسرائيل – من هذا بالضبط يخافون في لبنان.
حسب محللين في لبنان، يحتل ترسيم الحدود بين اسرائيل ولبنان بجدية مركز المحادثات، لكن “من الواضح أنه يوجد هنا ايضا اجندة مخفية”. صحيفة “الاخبار” مثلا كتبت بأنه في لقاء جرى قبل اسبوعين عرض سترفيلد شروطا متشددة لمواصلة المفاوضات والتي تعكس الموقف الاسرائيلي. سيكون هناك طبقا للشروط التي عرضها فصل بين المفاوضات على الحدود البحرية والمفاوضات على الحدود البرية. ستكون الولايات المتحدة الوسيط الوحيد وصاحب الرعاية على المفاوضات. ومدتها ستستمر نصف سنة على الاكثر.

اقرأ أيضاً: الحرب التجارية الكبيرة: ترامب محقّ .. ولكن

رفض لبنان معظم هذه المطالب، هو يريد مفاوضات دون تقييد زمني لحل كل الموضوع، ويطلب بأن تمنح الامم المتحدة الرعاية، ويصر على أن المسارين البري والبحري سيتم بحثهما كرزمة واحدة. يعتقد لبنان أن اسرائيل تريد تسريع المفاوضات من اجل أن تستطيع البدء في التوقيع على اتفاقات تنقيب مع شركات اجنبية في البحر المتوسط. ودون اتفاق على ترسيم الحدود لن توافق أي شركة على بدء الحفر. ولكن في هذا الاسبوع وحسب هذه التقارير، أحضر سترفيلد معه اجابات مشجعة بناء عليها الولايات المتحدة (أي اسرائيل) مستعدة لمناقشة الحدود البحرية والبرية معا، وأن الامم المتحدة ستكون صاحبة الرعاية، لكن في النقاشات سيشارك ممثلون أميركيون. تم اضافة الى ذلك طرح اقتراح لتبادل اراض بين لبنان واسرائيل بحيث يكون بالامكان اجمال نقاط الحدود المختلف عليها بسرعة، باستثناء سيطرة اسرائيل على مزارع شبعا التي لن يتم بحثها في هذه المفاوضات.
ما الذي جعل الأميركيين والإسرائيليين الذين بشكل عام يشددون على كل فاصلة يتراجعون عن مواقفهم. في لبنان يعزون هذه المرونة المدهشة الى صفقة القرن.
التحليل المقبول الآن هو أن الولايات المتحدة تدفع الى تجنيد لبنان لصفقة القرن، حيث أن الدور المخصص للبنان هو توطين اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون فيه. وبذلك محاولة ازالة مسألة حق العودة للاجئين الذي يشكل عقبة كبيرة امام حل النزاع بين اسرائيل والفلسطينيين.
يعيش في لبنان حسب معطيات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الاونروا” 450 ألف لاجئ تقريبا. تقدر “امنستي” بأن الحديث يدور فقط عن 300 ألف لاجئ. ولكن قبل سنتين حددت لجنة لبنانية أن عددهم لا يزيد على 174 ألف شخص. وذلك بعد اجراء احصاء للمرة الاولى في مخيمات اللاجئين وفي التجمعات الفلسطينية التي تقع خارج الـ 13 مخيما رسميا للفلسطينيين. يثير هذا العدد خلافات شديدة في لبنان، حيث إن “حزب الله” وشركاءه السياسيين قالوا إن الاحصاء الذي أجري تحت ضغط أميركي هدفه التقليص بصورة مصطنعة عدد اللاجئين بحيث يكون بالامكان مطالبة لبنان باستيعابهم دون صعوبات خاصة.

خوف في “حزب الله”
من ناحية لبنان لا يهم أبدا كم هو عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون فيه. حسب الدستور في لبنان لا يجوز تقسيم اراضي الدولة وتجنيس لاجئين على اراضيها. سبب ذلك هو أن أي استيعاب للاجئين الفلسطينيين يمس بشرعية حق العودة، ويلغي الذريعة الاساسية للنضال ضد اسرائيل ويحرر اسرائيل من المسؤولية التاريخية عن مشكلة اللاجئين. يوجد لـ”حزب الله” سبب آخر لمعارضة ذلك وهو يكمن في التركيبة الطائفية الحساسة للبنان. إن اضافة مئات آلاف المواطنين السنة سيضعضع الميزان الديمغرافي الذي يملي توزيع القوى السياسية في الدولة. تخاف هذه المنظمة من أن “صفقة القرن” التي حسب التسريبات الاخيرة يتوقع أن تدخل الى لبنان عشرات مليارات الدولارات، سواء بطريقة مباشرة أو عن طريق شطب جزء من ديونه الخارجية، ستسعى الى نزع سلاح “حزب الله”، وعلى الاقل تحييد ادعائه الذي يقول بأنه بحاجة الى السلاح لمساعدة الفلسطينيين وتحقيق حقوقهم.
يمكن لصفقة القرن أن تشكل بالنسبة للحكومة اللبنانية التي لم تتم دعوتها حتى الآن في “الورشة الاقتصادية” التي ستعقد في البحرين في نهاية شهر حزيران، طوق نجاة ضروريا من الازمة الاقتصادية التي هي غارقة فيها. الديون الكبيرة التي تقدر بـ 85 مليار دولار (التي تشكل 155% من الناتج الاجمالي الخام)، السياحة المشلولة والتجارة مع الدول العربية التي تقلصت بسبب الحرب السورية، كل ذلك حول لبنان الى دولة مفلسة لا يمكنها الاستثمار في التطوير، وبصعوبة تنجح في تمويل نشاطاتها الجارية. ولكن تجنيس اللاجئين الفلسطينيين هو موضوع “شرف وطني”، كما اعتبرته في هذا الاسبوع شخصيات رفيعة المستوى في لبنان، اضافة الى الخشية من أن تجنيس الفلسطينيين يمكن أن يدعو أيضا مليون لاجئ سوري تقريبا الذين يعيشون في لبنان الى المطالبة بتسوية مشابهة. إن الذعر من تأثيرات صفقة القرن على لبنان أدى الى أن يطلب “حزب الله” اجراء نقاش مع القيادة الفلسطينية للعمل معا على احباط الصفقة.
ليست لبنان الدولة الوحيدة التي تخشى من املاء أميركي لحل مشكلة اللاجئين. الاردن ايضا مذعور من امكانية أن تطلب الادارة الأميركية منه استيعاب مئات الآلاف وربما المليون لاجئ فلسطيني على اراضيه. كتبت الصحافية والباحثة فيكي فيرد في كتابها “كوشنر محدود الضمان: جشع وطموح وفساد”، واسع الانتشار، أن صفقة القرن تتحدث ضمن امور اخرى عن أن الاردن سيعطي الفلسطينيين مناطق، وفي المقابل يحصل على اراض من السعودية، التي بدورها ستحصل من مصر على جزيرة سنافير وتيران. مشكوك فيه أن توافق هذه الدول على هذه الاضافات والاقتطاعات، حيث إن السعودية حصلت في السابق على هذه الجزر بعد خلاف ومواجهات قاسية في مصر، التي انتهت بمصادقة رئاسية على اعادة الجزر للمملكة مقابل مساعدة سخية حولتها السعودية لحكومة عبد الفتاح السيسي. في الاردن سيعتبر أي تنازل عن مناطق كخيانة وطنية، خاصة اذا تم ذلك في اطار صفقة القرن التي تعتبر صفقة اسرائيلية – أميركية.
يبدو أن تبادل الاراضي هو الصيغة المدهشة التي تبنتها ادارة ترامب، وليس فقط بالنسبة للاردن. حسب فيرد، اقترح على مصر التنازل عن اراض في المنطقة التي تقع بين غزة والعريش على طول الشاطئ، التي سينتقل اليها عدد من سكان القطاع. في المقابل تحصل مصر من اسرائيل على اراض بمساحة مساوية غربي النقب. اسرائيل ستسمح لمصر بحفر نفق تحت البحر يربط بين مصر والسعودية، يتم بناء فيه ايضا سكة حديد وانبوب نفط. ستتحمل تمويل هذه المشاريع الدول الاوروبية والولايات المتحدة والدول العربية الغنية. سيتم في الاراضي المصرية التي ستحول الى سكان غزة اقامة مصانع انتاج ومطار وميناء، التي ستشغل فلسطينيين ومصريين. ووعدت مصر ايضا بأموال طائلة تقدر بـ 65 مليار دولار، ستساعدها على اعادة ترميم اقتصادها. بالنسبة للاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في سورية والعراق ودول عربية اخرى سيتم استيعابهم حسب الخطة في الدول التي يعيشون فيها مقابل مساعدة سخية ستحصل عليها هذه الدول.
لو أن هذه الامور كانت ستقال عن لاجئين هربوا من كوكب الارض ووجدوا ملجأ في المريخ، أو عن اشخاص تضرروا من كارثة تسونامي ولم يعد لهم مأوى، لكان يمكن الاعتقاد بأن خطة تشمل تعويضات مالية سخية واراضي فارغة لبناء مبان سكنية جديدة، هي الفكرة الاكثر منطقية وانسانية. المشكلة هي أن اللاجئين الفلسطينيين يحملون على كاهلهم الرمز الاعلى للقومية الفلسطينية. صفقة أميركية تستند بشكل واضح على شراء الرمز بالمال حتى لو كان الكثير من المال، لا يمكن الموافقة عليها من قبل القيادة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة. صحيح أنه حسب المبادرة العربية التي تم الاتفاق عليها في قمة الجامعة العربية في 2002، مشكلة اللاجئين يجب أن تحل بصورة عادلة ومتفق عليها بروح قرار الامم المتحدة رقم 194 من العام 1948. هذه الصيغة اكثر مرونة من الموقف العربي الثابت الذي يقول إن نص قرار 194 هو مصدر الصلاحية الحصري للمشكلة، أي أن حق عودة اللاجئين غير خاضع للمساومة.
ما زالت اسرائيل تتمسك بموقفها القائل بأنه لن يكون هناك اتفاق الى أن يكون كل شيء متفق عليه، في حين أن الفلسطينيين طلبوا مناقشة كل موضوع على حدة، وتطبيق التفاهمات التي يتم التوصل اليها في المفاوضات. ولكن لأن المفاوضات تم تجميدها، لا يجري الطرفان أي اتصالات في موضوع العملية السلمية، وبعد تراجع الرئيس ترامب عن دعمه الجزئي لاقامة دولة فلسطينية، فإن مسألة استيعاب اللاجئين في الدول العربية تحولت كما يبدو لتصبح الطريق التي من خلالها يريد ترامب حل القضية.

السابق
الخارجية: إيران تجاوبت مع طلب الرئيس عون ومستعدة لتسليم زكا
التالي
قتيل وجريحان من عائلة واحدة في تبادل لاطلاق النار في اللبوة