ليس لهذا الزمن

سيكون مجال في يوم من الايام للنظر في انه هل يوجد مكان في عاصمة اسرائيل لعشرات القرى العربية. ما كان يبدو مناسبا في 1967، يمكن الا يكون له مكان في ايامنا هذه. فالنشوى في حينه كانت عظيمة، وكان هذا جيدا لذاك الزمن. ليس لهذا الزمن.

بصفتي ولدت في تل أبيب، المدينة البيضاء، المشمسة، التي تقع على شاطيء البحر المتوسط، بدت القدس لي دوما كشيء ما مهدد. أزقتها المظلمة التي سارت فيها منذ الازل كل انواع النماذج الغريبة، المصابون كما يمكن للبعض ان يقول بـ “متلازمة القدس” أخافوني. زرتها، غير مرة، قبل حرب الايام الستة ايضا. ولا زلت اتذكر الاسوار التي اقيمت على طول شارع يافا – في الجانب المؤدي الى البلدة القديمة.
ولكن الذاكرة الاقدم لدي عن المدينة هي من زيارة الى الحائط الغربي في الفترة التي سبقت حرب التحرير. احد ما امسك بيدي واقتادني على طول شوارع ضيقة جدا بين بيوت شهدت حيطانها اياما افضل الى أن وصلنا الى الحائط المبني من حجارة كبيرة. امامه وقف بعض من لابسي الاسود ممن صلوا بتزمت شديد. لم اشعر باي شعور رغم انهم رووا لي ان المرء اذا اراد امنية ما ان تتحقق، فعليه ان يضع بطاقة في شق بين الحجارة.
في المساء، كما همس في اذني، فان احدا ما يجمع البطاقات. لا اذكر اني تأثرت على نحو خاص. فقد شعرت في حينه بان في هذه القصة شيئا ما غير حقيقي. ففي سني الصغيرة ايضا فهمت بان من يجمع البطاقات في كل مساء لا يفعل ذلك كي يعرضها على “باري العالم”.

اقرأ أيضاً: إسرائيل تنقذ إيران

إلى جانب ذلك، كمن كان يخاف جدا على مصير الشعب اليهودي ويسعى لان يبقى وطنه القومي الى الابد، أفهم الاهمية التي في الاساطير التي غايتها ان تجمع الشعب حولها – وهذه، في نظري، هي الغاية الحقيقية للحائط الغربي الذي احتل في اثناء الحرب في 1967. فسرعان ما اصبح الرمز القومي لاسرائيل. عشرات البيوت هدمت من اجل اقامة الساحة الفاخرة التي امامها. وعظماء العالم يؤتى بهم كي يضعوا بطاقات في الشقوق التي بين الحجارة الضخمة. وغير مرة يتدحرج مضمون البطاقة – وايضا، احيانا، صورتها – الى صفحات الصحف، حين يكون الحديث يدور عن شخصية معروفة، وانا لا اؤمن حقا بان من يسرب مضمون البطاقة هو الرب. ولكن المشوق هو أن اولئك الذين وقفوا على رأس القيادة السياسية بعد نهاية الحرب لم يتجاهلوا الاسطورة الاخذة في التشكل. ولهذا فقط تكبدوا عناء توسيع المنطقة البلدية للقدس بالخفاء تقريبا. ليس على رؤوس الاشهاد، ليس في قانون صريح، بلا نقاش جماهيري، وهكذا حصل أن ليست القدس الشرقية فقط، بما فيها البلدة القديمة، ضمت الى الاراضي الاصلية للقدس، بل وايضا 28 قرية عربية. كان هذا برأيي فعلا سخيفا دفعنا عليه منذ الان ضحايا لا حصر لهم كون العرب الذين سكنوا في هذه القرى تلقوا بطاقات هوية زرقاء مما سمح لهم بالحركة في كل ارجاء الدولة، الامر الذي استغل غير مرة اسوأ استغلال.
في العام 1980 فقط تذكروا في قيادة الدولة بان ليس للقدس عمليا أي مكانة خاصة في القانون. وحقيقة أن القدس اصبحت مسألة تبحث في المفاوضات بين اسرائيل ومصر، اقلقت مناحيم بيغن، وكانت هذه هي الخلفية لسن القانون الاساس: القدس عاصمة اسرائيل. فقد سعت المبادرة للقانون، النائبة غيئولا كوهن، بان تنص في القانون حدود المدينة، ولكن هذا لم يحصل في تلك المرحلة. في العام 2000 فقط، عندما كان ايهود باراك رئيسا للوزراء، تم تعديل القانون الاساس وتقررت فيه الحدود البلدية للقدس. كما أنه تقرر في التعديل للقانون أنه محظور المس بهذه الحدود باي شكل. هذا المادة في القانون اصبحت المادة الاكثر تحصينا في سجل القوانين الاسرائيلي. فلا يمكن تغييرها الا باغلبية 80 نائباً.
مهما يكن من أمر سيكون مجال في يوم من الايام للنظر في انه هل يوجد مكان في عاصمة اسرائيل لعشرات القرى العربية. ما كان يبدو مناسبا في 1967، يمكن الا يكون له مكان في أيامنا هذه. فالنشوى في حينه كانت عظيمة، وكان هذا جيدا لذاك الزمن. ليس لهذا الزمن. رقصة الاعلام التقليدية بالتأكيد لن تمر في هذه القرى.

السابق
تحالف «وطني»: قضية سوزان الحاج تعري العدالة
التالي
هذا شهر محوري في مستقبل الموازين الجغرافية – السياسية