أزمة قيم إجتماعية وسياسية

البطريرك مار نصرالله بطرس صفير
...في سقطته الأخلاقية المدوية، لم يُعَرِّ بشارة الأسمر نفسه فقط، بل من حيث لا يدري ولا يريد عرى أخلاقيات المجتمع الذي نعيش فيه والذي تثبت الأحداث يومياً أنه لا يزال يعيش أخلاقيات الحرب البعيدة كل البعد عن الأخلاقيات المدنية الحضارية خاصة في مجتمع يدعي تعلقه بأهداب الفضيلة والدين.

ولعل المفارقة الغريبة المضحكة المبكية في قضية بشارة الأسمر، بأن المجتمع الذي ثار بسبب التطاول على رمز ديني ووطني كبير هو البطريرك صفير، كانت ردة فعله بعيدة كل البعد عن الأخلاق الدينية والوطنية بالمعنى الإجتماعي والسياسي. فالرد على سفاهة الأسمر وسقطته لم تكن في إطار القانون والقضاء فحسب كما هو مفروض بغض النظر عن عدالة القضاء عندنا وحياديته وإستقلاليته عن السلطة السياسية وحليفتها الدينية، بل أن ردة الفعل الشعبية التي ضجت بها وسائل التواصل الإجتماعي كانت أقل ما يقال فيها أنها مقرفة وتدعو للإشمئزاز من هذه السوقية التي لا تختلف عن سوقية وسفاهة وتفاهة تصرف الأسمر، وهو ما يثبت بأن الأسمر ليس نسيج وحده بل هو يمثل شريحة واسعة ووجه من وجوه هذا المجتمع الذي لم يعد حريصا على القيم التي قام عليها منذ القدم والذي يدعي زورا وبهتانا حرصه عليها.

اقرأ أيضاً: الغرب: الهوية والسيادة في مواجهة العولمة

هذا من الناحية الإجتماعية ومنظومة قيمها المفقودة، أما الطامة الكبرى فكانت على المستوى السياسي رسمياً وشعبياً، فعلى مستوى الأحزاب والشخصيات السياسية المسؤولة منها في السلطة أو التي هي خارجها – على قلتها – وكذلك على المستوى الشعبي والإعلامي – إلا بإستثناءات قليلة – كانت ردود الفعل شعبوية تعتمد على المزايدات دون الأخذ بعين الإعتبار القوانين المرعية الإجراء ودون أي إعتبار للقيم السياسية كحرية الرأي وسيادة القانون وعدم التعسف في إستعمال القانون ومحاربة الفساد، فبشارة الأسمر ليس شخصا عادياً، فهو شخصية عامة ويمثل بطريقة أو بأخرى هذا الطيف السياسي الحاكم من حيث إرتباطاته السياسية وتناغمه مع السلطة في مصادرة قرار الإتحاد العمالي العام، وهو موظف عمومي يتقاضى راتبا ضخما على ما كشف وهو فاسد بمعنى أنه لا يقوم بواجباته الوظيفية ولا يحضر حتى إلى مقر عمله، كل هذا تجاهلته الطبقة السياسية والإعلام والناس وبدلا من أن تطالب بمحاكمته على هذه التجاوزات أيضا ركزت جهدها على سقطته الأخلاقية لا لشيء إلا لأنها قضية شعبوية وتضرب على الوتر الديني الحساس، ضاربين عرض الحائط بكل القيم التي يفترض أنها تمارس السياسة لتساهم في ترسيخها وتعميمها بغية إصلاح الدولة والمجتمع، ومنهم من رأى بالحدث فرصة للقفز على منصب الأسمر لـ”إستعادته” كونه منصب مسيحي والمناصب المسيحية لا “تليق” إلا به وبتياره.

وهكذا نصل إلى نتيجة وحقيقة مرة ربما نكون نعلمها ولكن لا نريد أن نصدقها بأن مجتمعنا لم يزل وبعد حوالي 30 عاما على وقف الحرب يعيش قيمها وأخلاقها بعيدا عن قيم السلام والحرية وسيادة القانون، وأن ما نعيشه في يومياتنا من “سلام” إجتماعي وسياسي ما هو سوى قشرة رقيقة ورقيقة جدا وزائفة تكفي قضية مثل قضية الأسمر وغيرها من القضايا المثارة يوميا من أناس تافهين ولا قيمة معنوية لهم، كي تسقط ويبان عرينا الأخلاقي والسياسي والإجتماعي لنكتشف بأن أزمتنا الكبرى هي أزمة ضياع وفقدان القيم الإجتماعية منها والسياسية وهو ما جعل منا شعب مخدر ديدنه الخنوع والإستسلام لجلاديه الذين يتفننون في إيذائه وتجريده من حقوقه التي لن تعود إلا بتغيير الذهنية وإستعادة القيم الإنسانية التي لا قيامة لأي مجتمع إلا بإتباعها وممارستها، من هنا يبدأ التغيير…

السابق
انخفاض سعر صفيحة البنزين 98 و95 أوكتان 200 ليرة والديزل 100 ليرة 
التالي
اجمل صور وبطاقات تهنئة بمناسبة عيد الفطر المبارك 2019