تصفية حسابات في لبنان مع «المصرفي» ..أصداء سلبية بعد «أمر العمليات» من نصر الله

تشكّل الساعاتُ الفاصلة عن معاودة مجلس الوزراء اللبناني غداً مناقشةَ ما تبقى من بنود مشروع موازنة 2019 ما يشبه «الوقت المستقطع» الفاصل عن حلول «ساعة الحقيقة» في ما خصّ الإجراءات أكثر إثارة لاعتراضاتٍ «سبّاقة» تحاصر المداولات على طاولة الحكومة منذ أيام وتتّخذ شكل إضراباتٍ على مستوى مؤسسات عامة ومصالح مستقلة شلّتْ مرافق حيوية، وسرعان ما «تَدَحْرَجَتْ» في اتجاهٍ اكتسبَ طابعاً دراماتيكياً مع إعلان نقابة موظّفي مصرف لبنان المركزي الإضراب المفتوح.

وفي حين يسود انطباعٌ بأن ثمة ضغطاً كي يتم الانتهاء من إقرار الموازنة وإحالتها على البرلمان بحلول منتصف الأسبوع المقبل كحدّ أقصى وذلك كي لا يعْلق المشروع «في شِباك» السياسة ومزايداتها وحساباتها ولا سيما تحت وطأة «بقعة زيت» الحركة الاحتجاجية الآخذة في التمدُّد كما الأبعاد الـ«ما فوق» مالية ومحلية التي شكّلها ما اعتُبر «أمر عمليات» أصدره الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله بوجوب أن تساهم المصارف في خفض كلفة خدمة الدين العام «بالمبادرة» وإلا «فعلى الحكومة ومجلس النواب أن يتحملوا مسؤولية في هذا الإطار»، فإن أوساطاً سياسية لا تقلّل من أهمية العقبات التي تعترض الجولة الثانية من الجلسات الوزارية المتتالية.

وفي رأي الأوساط أن هذه الجلسات سـ«تضع الإصبع» على بنود «حارقة» فرضت نفسها إشكاليةً «في الشارع» وتتعلق برواتب القطاع العام بما في ذلك العسكريين ونظام التقاعد والتعويضات والتقديمات الاجتماعية وزيادة الضريبة على الودائع المصرفية وغيرها. وإذا كان «الصوتُ العالي» للاحتجاجاتِ التي عطّلت مرفأ بيروت والضمان الاجتماعي ومؤسسات عامة أخرى ولم يتأخّر في الانضمام اليها أساتذة الجامعة اللبنانية و«نادي القضاة» معروفاً بخلفياته المطلبية، فإن «انتفاضة» موظّفي مصرف لبنان الذين أعلنوا أمس الإضراب المفتوح، بعدما كانوا نفّذوا الجمعة والسبت (أمس) إضراباً تحذيرياً، اكتسبتْ طابعاً بالغَ الأهمية ليس فقط نظراً الى تبعات هذا التحرّك على القطاع المصرفي ككلّ كما على يوميات اللبنانيين بفعل توقّف المقاصات والعمليات المالية والنقدية، بل أيضاً نظراً الى تَزامُنها مع «الهجمة» على القطاع المصرفي والتي بلغتْ أوْجها بكلام نصر الله.

ورغم أن نقابة موظفي مصرف لبنان ربطتْ الإضراب المفتوح، غير المسبوق في تاريخ لبنان الحديث، بعناوين تقنية مثل «اصرار السلطات على تضمين مشروع الموازنة البنود التي تتعلق بضرب حقوق الموظفين (مثل أن لا يتعدى أعلى راتب في الدولة راتب رئيس الجهورية وتوحيد التقديمات الاجتماعية ومسألة توزيع الأرباح) ووضْع اليد على مصرف لبنان الذي يتمتع كسلطة نقدية باستقلالية ادارية ومالية (…)»، فإنها لم تتوانَ عن إعطاء هذا التحرك طابعاً عَكَس محاولةَ لرسْم «خط دفاع» حول «المركزي» كما حاكِمه رياض سلامة من باب «استنكار الهجمة الشرسة غير المبررة التي يتعرض لها المصرف وموظفيه» والإضاءة على دور سلامة في مهمة «حفظ الاستقرار المالي والنقدي في البلاد على مدى ربع القرن».

وفي رأي مصادر مطّلعة أن من الصعب فصْل «الارتجاجات» التي طاولتْ مصرف لبنان على تخوم ملف الموازنة عن الاندفاعة غير المألوفة لنصر الله على خطّ إعلان «الأمر لي» في ما يشبه «مسارَ الفرْض» على القطاع المصرفي اللبناني المساهمة في خفْض أكلاف خدمة الدين العام، وهو ما كانت المصارف ربطتْ إمكان القيام به ببروز جدية لدى الحكومة في إنجاز إصلاحات هيكلية وقطاعية مع رفْضها رفْع ضريبة الفوائد على الودائع من 7 الى 10 في المئة.

ولاحظت المصادر أن هذا «الهجوم» على المصارف و«المركزي» لا يمكن عزْله عن مسألة العقوبات الأميركية على «حزب الله»، متسائلةً إذا كان ثمة «رسالةً» للضغط على هذا القطاع لتنفيذٍ أكثر «مرونة» للعقوبات ووضْعه بين هذا الخيار أو تحميله مرة جديدة عبئاً إضافياً لفشل سياسات ضبْط المالية العامة ووقف الهدر، أو إذا كان هذان العنصران يتقاطعان من ضمن سياقٍ لأخذ لبنان إلى «اقتصاد هانوي».

وتساءلت المصادر عيْنها تبعاً لذلك عن الأثَر السلبي الكبير لإظهار أي مبادراتٍ محتملة من القطاع المصرفي باتجاه المساعدة في احتواء كلفة الدين العام على أنها في إطار أجندة حَدَّدَها الأمين العام لـ«حزب الله» وأن الاخير بات يرسم السياسات المالية الكبرى للدولة، كما عن تداعيات التلويح الضمني بدخول البرلمان والحكومة (وإن كان هذا الأمر يقابل باعتراض كبير من الرئيس سعد الحريري وأطراف آخرين) على خطّ «التصرف» مع المصارف على ثقة المستثمرين والمودعين، وأيضاً عن ارتدادات المناخ «الهجومي» على المصارف وسلامة على نظرة المجتمع الدولي الى المسار الذي يعتمده لبنان في سعيه الى الوفاء بالتزاماته الإصلاحية أمام الدول المانحة في مؤتمر «سيدر» ولا سيما أن حاكم «المركزي» بات يشكّل بالنسبة الى الخارج عنوان هذا الاستقرار وسبق ان تبلغت بيروت «بالفم الملآن» أنه «خط أحمر» كضمانة لتسييل مقررات مؤتمر «سيدر» ولتنفيذ العقوبات الأميركية.

وفيما نُقل عن أوساط جمعية المصارف في لبنان رفْضها الردّ على نصرالله مع تأكيد أنها «لن تقبل أي املاء سياسي يأتيها من أي جهة خارج اطار القوانين والأنظمة التي ترعى علاقتها بالدولة ومصرف لبنان المركزي»، برزت على وهج هذه الأجواء المحتدمة زيارة رئيس جمعية المصارف حوزف طربيه لرئيس الجمهورية ميشال عون حيث أعلن بعد اللقاء «ان الهجمة على المصارف تستهدف البلد واقتصاده ولا نريد الدخول في جِدال مع أحد»، وموضحاً أنه بحث مع عون في إضراب موظفي مصرف لبنان «الذي يجمّد العمل المصرفي»، ومؤكداً رفْض الضريبة على الفوائد وفرض ضرائب جديدة تحوّل لبنان «طارِداً للاستثمارات والودائع».

وفي موازاة ذلك، ردّ وزير المال علي حسن خليل على التقارير عن محاولة لإخضاع مصرف لبنان لوصاية وزارة المال معلناً «كل الحديث حول مشروع لتغيير في العلاقة القانونية بين وزارة المال والمصرف المركزي هو محض اختلاق ولا أساس له وجزء من حملة ضخ المعلومات المغلوطة والمشبوهة للتشويش على إقرار الموازنة».

السابق
دفاعاً عن الحرية، اسألوا رئيس الجامعة عن شهادته
التالي
ايران تتجه نحو العراق لتحدي العقوبات الأميركية