الرئيس اليوناني من بعبدا: بلدانا مؤهلان ليكونا رائدي حوار

الرئيس عون

في خلال زيارته إلى قصر بعبدا، ألقى الرئيس اليوناني كلمة قال فيها: “فخامة الرئيس، الصديق العزيز، اشعر ببالغ السرور وبتأثر كبير فيما اقوم بهذه الزيارة الى بلادكم الصديقة، تلبية لدعوتكم العزيزة، بالنظر الى علاقات الصداقة العريقة التي تربط بلدينا وصولا الى العصر الحالي. اني اتكلم على الصداقة التي تربطنا وهي تستند الى علاقات عريقة وبالغة الاهمية منذ فجر التاريخ. وهي دليلنا على انه في محطات مهمة في مسيرتنا، سرنا معا على دروب التاريخ عينها. واذا ما تطلعنا الى الامور بعمق اكبر وتساءلنا: ما هو الاكثر اهمية في هذه الروابط التي تجمعنا؟، لأدركنا ان العنصر الاساسي الذي نمتلكه ونتشارك فيه، ليس الا الحوار بين حضاراتنا. ان ما يجمعنا ويجعل صداقتنا تاليا على هذا القدر من العمق، والتناغم على مدى قرون من الزمن، هو ان لدينا قيما ومبادىء على مستوى حضاراتنا. فنحن شعبان وبلدان دافعا عن قيم ومبادىء اساسية في خدمة الانسان والعالم. وانا اتكلم تحديدا على قيم ومبادىء: التضامن، والديموقراطية، وحقوق الانسان، والروح الانسانية، والعدالة، وبصورة خاصة العدالة الاجتماعية”.

أضاف: “ان زيارتي اليوم لا تهدف الا الى توطيد هذه العلاقات العميقة التي تجمعنا حول قيم ومبادىء قامت عليها حضاراتنا. وان الاهم في حضاراتنا بصورة خاصة، والذي بامكانه ان يشكل نموذجا يحتذى به لسائر الدول، كما لصداقتنا المشتركة، ولاوروبا وللعالم، هو اننا بالفعل رواد في حوار الثقافات والحضارات. نحن رواد، وهذا صحيح بصورة تامة، لأننا نسعى على الدوام الى فتح طرق جديدة تخدم هذا الحوار. واعتقد ان الحاجة اليوم الى الحوار هي اكثر من اي وقت مضى، لأننا رأينا حتى اليوم، وذلك على حساب الشعوب والدول، ان الانطباع السائد هو صراع الحضارات. فلنلاحظ ان نظرية صراع الحضارات هي التي قامت عليها السياسات الخارجية لعدد من الدول، وقد نشبت حروب بإسمها. الا ان هذه النظرية هي بعيدة كل البعد عن اي واقع تاريخي، وهي بكافة الاحوال كارثية بالمطلق، مدمرة وخاطئة بالمطلق، حتى في اسسها”.

اقرأ أيضاً: محادثات في بعبدا مع الرئيس اليوناني عون: من حق لبنان استخراج النفط ضمن المنطقة الخالصة

وقال: “الصديق الرئيس، ان تصارع الحضارات يغدو غير موجود إذا ما كنا نتكلم على الحضارات الحقيقية بكل معنى الكلمة، لأن الحضارات الحقيقية ليست بتصارع مع بعضها البعض. ومن المستحيل وجود نزاعات بين الحضارات. فماذا يحصل اليوم؟ هناك نقص في المعرفة المتبادلة بين بعضنا البعض، ونقص في التواصل. وبكلمة مختصرة، فلقد تم القضاء على جسور العبور بين حضارات بعضنا البعض، للأسف.
ليس في الامر اذا نزاع، إذ ليس هناك من نزاع. هناك بكل بساطة فقدان لجسور عبور من شأنها ان تدفعنا الى التلاقي مجددا مع بعضنا البعض. هذا ما يحصل اليوم. وعلينا نحن ان نفتح هذه الطرق التي تجمعنا من جديد ببعضنا البعض، وعلينا نحن ان نبني جسور العبور بين بعضنا البعض. وان اليونان ولبنان، بفضل طبيعتينا وحضارتينا، مؤهلان وحاضران ليكونا رائدي هذا الحوار بين الحضارات. ولقد عمد وزيرا خارجيتينا الى اطلاق مبادرتهما لشهر حزيران المقبل، وقبلناها بحماس شديد. وانتم تعرفون ان اليونان اطلقت منذ سنوات عدة “مؤتمر رودس للحوار بين الحضارات والاديان”، لأن الحوار بين الاديان يشكل شرطا لا مفر منه للحوار بين الحضارات.

وأود أن أقول لكم فخامة الرئيس، إن لدينا مصلحة في ذلك مع قبرص ايضا، والتي هي اكثر قربا اليكم من قربها من الوطن الام الاغريقي. وفي هذا الاطار من التعاون الثلاثي بين كل من اليونان وقبرص ولبنان، فان الثمار ستكون في غاية الاهمية على مختلف الصعد، بما في ذلك على صعيد تطبيق واحترام قانون البحار الذي اشرتم اليه منذ قليل. وانا ارغب في ان اقول لكم ما يلي: ان كل من اراد ان يتحدث عن منطقة اقتصادية خاصة بصورة حصرية له، لا يمكنه ان يتغاضى عن احترام قانون البحار. هذا امر لا يمكن تصوره. ونحن كيونانيين واوروبيين، واضحون بصورة قطعية حول هذا الامر الذي يشكل ايضا موقفا للاتحاد الاوروبي. نحن لدينا اذا حوار الحضارات الذي سينطلق من جهة، ومن جهة ثانية هناك الحوار الثلاثي الذي انطلق. واني لأرغب في ان اشدد، مرة جديدة، على ان الامر يشكل اساسا لحضاراتنا. ونحن نود ان نتحاور مع مختلف الحضارات، وفي حوارنا الثلاثي، نحن لم نستثن احدا، ومن يود المشاركة في الحوار بامكانه المشاركة، في اطار القانون الدولي.

من هنا فإن تعاوننا كما صداقتنا لا يستثنيان أحدا ولا يسيران في معاكسة احد. على العكس، فإن حوارنا هو نموذج نقدمه الى الآخرين الذين يمكنهم ان يسيروا به. نحن ننطلق الآن، ولقد حان الوقت لذلك، ليس فقط باسم اليونان فحسب، بل باسم الاتحاد الاوروبي. وانا امثل هنا امامكم اوروبا باسرها، كوني رئيسا لأحدى دول الاتحاد الاوروبي. واود ان اجدد لكم مدى الامتنان لما قدمه لبنان وشعبه في اطار المأساة الكبرى التي عرفها الشرق الاوسط”.

وقال: “فخامة الرئيس، لقد تحملتم مسؤوليات جسام نتيجة الحرب في المنطقة. واقول ان هذا عبء اكبر بكثير مما كان بامكانكم تحمله. فهناك اكثر من مليون ونصف مليون لاجىء استقبلهم بلدكم. ومن واجبي ان اقول لكم اننا في غاية الامتنان لكم ولشعبكم الذي اعطى نموذجا حقيقيا لروحه الانسانية ولقيمة التضامن لديه، ولاجل ذلك نحن دائما الى جانبكم. واود هنا ان اتوجه بنوع من الانتقاد الى اوروبا، كون بلادي عضوا في الاتحاد الاوروبي: ان بلدا كبلدكم اظهر قدرا كبيرا من عظمة النفس التي لديه تجاه البشر الذين طلبوا منه العون، لم يحصل على جواب ملائم من الاتحاد الاوروبي.

وأود أن أقول إن أوروبا، اوروبا التي لنا، لم تكن في الواقع حاضرة بالقدر الذي كان يتوجب عليها، منذ البدء، عندما اندلعت الحرب او استمرت هنا. فلو احترمت اوروبا ثقافتها وتاريخها، وتدخلت في الوقت الذي كان يتوجب عليها ذلك، فإني لواثق ان الحرب كانت انتهت قبل الآن بكثير، واني لواثق ايضا بان النتائج كانت لتكون اقل بكثير مما شاهدناه فيما بعد”.

وتابع: “للأسف لم تتمكن اوروبا من ان تكون اكثر حضورا مما كان في استطاعتها. ولذلك اجرؤ على القول ان اوروبا لم تف بالالتزامات التي كانت لتؤول اليها بالاستناد الى ثقافتها وتاريخها. واعتقد انه لا يجب علينا ان نغش انفسنا. نحن الاوروبيين صادقون على الدوام مع ذواتنا وننتقد انفسنا. واعتقد ان موقف اوروبا هذا وجه ضربة قاسية لرمزيتها. الا ان الوقت ليس ابدا متأخرا، فنحن الاوروبيين مصممون على ان نعكس الاتجاه، وها نحن الآن جاهزون لبذل كل ما في وسعنا لأجل انهاء الحرب ولمساعدة قدر المستطاع جميع الذين هم في حاجة لها. كما اننا نقف الى جانبكم للمحافظة على قيمنا المشتركة، وفي طليعتها الروح الانسانية والتضامن. اني لواثق ان الاتحاد الاوروبي سيقوم بذلك، ولواثق ايضا، فخامة الرئيس الصديق، انه انطلاقا من هذه الحرب البالغة الدناءة في الشرق الاوسط، نحن جميعنا من نرتكز على حضارة الثقافة والتضامن والروح الانسانية، سنتوصل الى ارساء القواعد التي على اساسها لن نسمح ابدا باندلاع الحروب، وسنبذل كل ما في وسعنا لتجنبها. هذا هو واجبنا كافراد، وكمواطنين ديموقراطيين. ان واجبنا ليس ان نتطلع الى الحرب من بعيد والبدء بالتباكي، هذا لا يجب ان نقوم به. نحن علينا ان نتحمل مسؤولياتنا في الوقت عينه الذي تنشب فيه ازمة او تندلع حرب”.

اضاف: “أود أن أقول لكم إننا ندعم لبنان كي يستعيد طريق العيش الخلاق الهانئ والنمو، في الشرق الاوسط الذي استعاد كامل نموه وانطلاقته، واستعاد السلام. نحن ندعم لبنان لكي يكون له، ضمن اطار القانون الدولي، كل ما يعود له من حقوق، في ما يتعلق بسيادته الوطنية، ومصالحه. نحن نطالب ونصر، كيونانيين واوروبيين، على احترام القانون الدولي بالنسبة الى الجميع، بصورة عادلة ومتساوية، لأنه في خلاف ذلك لا يبقى للقانون الدولي من معنى. وهذا القانون لا يمكن ان يطبق بصورة اختيارية، واقصد بذلك انه انطلاقا من سلطة كل دولة. وعلى اساس تطبيق القانون الدولي بصورة عادلة ومتساوية، فأننا ندعم لبنان في ما يتعلق بحقوقه ومصالحه وحدوده وسيادته الوطنية. واكرر، كيوناني واوروبي، ان هذا الامر ينطبق على كافة دول هذه المنطقة ذات السيادة، كي لا يكون هناك سؤ فهم: ان كافة القواعد القانونية يجب ان تطبق بطريقة عادلة ومتساوية، وبروح من الانصاف، إذ لا يجب ان يجد الاقوى حقوقه محفوظة اكثر من غيره، في ما يتعلق باراضيه وسيادته الوطنية وحدوده. هذه هي الطريقة التي نرى فيها، نحن اليونانيين والاوروبيين، كيفية تطبيق القانون الدولي.

وختم: “انطلاقا من هنا، أكرر لكم شكري البالغ، فخامة الرئيس الصديق، على دعوتكم، واود ان اؤكد ان لقاءنا ساهم في توطيد علاقاتنا وروابط صداقتنا المشتركة. ومن جهتي، ارغب في ان تشكل زيارتي وعدا بأن صداقتنا الممتازة سترتقي بعد الى مراتب افضل. فلنحفظ ذلك في ذاكرتنا. كما اود ايضا ان اوجه اليكم الدعوة لزيارة اثينا في اسرع وقت ممكن، وهي مدينة تعرفونها بلا شك. وانا لا اشعر نفسي غريبا ابدا في بيروت ولبنان، واعتقد انكم عندما ستأتون الى اثينا لن تشعروا بالغربة فيها. هذا سيكون لنا مدعاة افتخار وسعادة ان تزوروا بلادنا، وتتيحوا لنا ان نظهر لكم مجددا مدى احترامنا النموذج الذي اظهرتموه للعالم بأسره، كشعب يحترم تاريخه وتراثه، حين استضاف العدد الاكبر من النازحين. لكم منا كل الاحترام”.

السابق
محادثات في بعبدا مع الرئيس اليوناني عون: من حق لبنان استخراج النفط ضمن المنطقة الخالصة
التالي
باميلا أندرسون تعلق على اعتقال أسانج