أيام مصيرية أمام التسوية الرئاسية تربطها بالإجراءات الاقتصادية الإنقاذية

احمد عياش

لم تواجه التسوية الرئاسية بين الرئيسيّن ميشال عون وسعد الحريري التي أبصرت النور عام 2016 إختبارا كالذي تواجهه هذه الايام.ولطالما دافع الرئيس الحريري عن هذه التسوية ب”اللحم الحيّ” كما يقال، لكنه حاليا وصل الى مفترق طريق هو الادق في العلاقة بين الجانبيّن ستظهر نتائجها خلال ايام.فماذا حصل حتى وصلت هذه التسوية الى هذا المستوى من الحرج؟
في معلومات لـ”النهار” من قريبين جدا من المعطيات الرئاسية، ان الرئيس الحريري الذي بقيّ حتى الان من أشد المدافعين عن علاقته برئيس الجمهورية ،الى الحد الذي دفعه أخيرا الى إستعمال عبارة “الزواج الماروني” لكي يصف بها هذه العلاقة وما تعنيه من شدة الارتباط،وصل أخيرا الى طرح أسئلة حول ما يمكن للحريري ان يحققه من أهداف إعتبرها علة وجود الحكومة التي ترأسها بعد الانتخابات النيابية. وبحسب هذه المصادر، كان السؤال الاكثر تعبيرا هو: “ما فعلنا بعد شهرين على ولادة الحكومة ؟لا شيء على الاطلاق”!

اقرأ أيضاً: مكافحة الفساد تشعل حرباً بين قضاة لبنان

كتب الكثير حول إلتزامات لبنان حيال مؤتمر “سيدر” والتي لم يف بها حتى الان. وعندما أطلّ قبل أيام نائب رئيس مجموعة البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فريد بلحاج، ليعلن ما أعلنه ،احدث صدمة ما زالت أصداؤها تتردد حتى الان.لكن هذا التحذير من الجهة الاكثر علاقة بالمؤتمر، أي البنك الدولي،ترافق، وفق معلومات “النهار”، مع ورشة بحث أطلقها رئيس الحكومة في بيت الوسط في الايام القليلة التي تلت عودته من رحلته العلاجية في باريس .وفي هذه الورشة، كان البحث يدور حول إتفاق متكامل قرر الحريري أن يطل به بدءا من أول أيام هذا الاسبوع على جميع الاطراف في البلاد ليبني على ردود الفعل التي سيتلقاها، ما يعتزم الاقدام عليه من مواقف في المدى المنظور. ووفق مصادر شاركت في أعمال هذه الورشة، جرى ترتيب الاولويات وفق ما إنتهى اليه مؤتمر “سيدر”. فتبين ان المرحلة الاولى تضم 150 مشروعا بكلفة 10 مليارات دولار و800 مليون دولار، يمتد تنفيذها على مدى 5 سنوات تقريباً. وهذه المشاريع التي شهدت نقاشا مع كل الاطراف عشية الذهاب الى المؤتمر في الربيع الماضي، وحظيت بموافقة مبدئية في ذلك الحين، ستعود الان الى دائرة الضوء في الجولة الجديدة من المشاورات التي أطلقها الحريري لكي تبدي الاطراف ما تريد إبداؤه من ملاحظات تجدد من خلالها موقفها النهائي من ال 150 مشروعا المطروحة للتنفيذ.ووفق هذه المعلومات أيضا، ان هناك 100 مشروع تتضمنها المرحلة الثانية بعد خمس سنوات تقريبا، فإذا ما إرتأى أي طرف، ان هناك مشروعا يخص منطقته في المرحلة الثانية يجب ان ينتقل الى المرحلة الاولى من التنفيذ، فيمكن الدخول في مباحثات حوله. وإذا ما جرى الاتفاق على هذا التعديل، فهناك هامش يتيح ذلك حنى ولو إقتضى الامر رفع كلفة المرحلة الاولى بنحو مليار دولار.
في مناقشات بيت الوسط في نهاية الاسبوع ، تطرق البحث الى ملف الكهرباء الذي يمثل “أم الملفات” التي يتوقف على وضعه على سكة الحل القاطرة الرئيسية لمؤتمر “سيدر”.وليس قليلا ابدا ان ينجز حل لهذا الملف يؤدي الى إلغاء ملياريّ دولار تتكبدها الخزينة لدعم هذا القطاع. وفي المرحلة الانتقالية نحو الحل كان السؤال المطروح حول الكلفة التي سيتحمّلها لبنان في حال بقيّ النقاش محصورا بتشكيل الهيئة الناظمة أو عدم تشكيلها ؟ولم يفت المشاركون في البحث ان يلحظوا ان التنافس الذي قد ينطلق في المرحلة المقبلة قد يؤدي الى حالة “تكسير أسعار” تؤدي الى تغيير إساسي حتى في كلفة الاستعانة بالبواخر.
وفي هذه المناقشات أيضاً، كان حديث مستفيض حول موضوع الموازنة.ولم يفت المناقشون ان يتوقفوا عند الاسناد المهم الذي قدمه في الاونة الاخيرة رئيس مجلس النواب نبيه بري لكي يتم إنجاز هذا الاستحقاق في أسرع وقت وفق معايير تلاقي متطلبات “سيدر”، لاسيما ينعلق بخفض العجز. وفي هذا الاطار، إستغربت مصادر قريبة من الرئيس بري عبر “النهار” ، الاصوات التي تصاعدت من بعض فريق الحكم “تزايد” في موضوع الموازنة متجاهلة قوة الدفع التي يوفرها رئيس البرلمان لكي تبصر موازنة هذه السنة النور.
في المشهد الداخلي أيضاً، لا يبدو بعيدا عن الصحة القول الذي يفيد ان العهد نفسه، سيكون المستفيد الرئيسي من خروج لبنان من أزمة عدم تلبية متطلبات “سيدر”. ووفق قول احد المشاركين في مناقشات “بيت الوسط”، فإن العهد سيكون الخاسر الاكبر في حال إنزلقت البلاد الى قعر أزمة تضيع فيه فرصة لبنان مع “سيدر”، وتؤدي ايضا الى هز الاستقرار النقدي الذي لا يمكن القول أنه مستمر الى أجل غير محدود. وفي معلومات هذا المصدر، ان “حزب الله” الذي كانت لديه ملاحظات حول “سيدر” لن يكون على الجانب السلبي من الجهود التي سترافق الحلول في المرحلة المقبلة.
ويبقى المشهد الخارجي؟ في المعلومات ان الحدة التي أطل بها وزير خارجية الولايات المتحدة الاميركية مايك بومبيو من لبنان حيال “حزب الله”، كانت تنطوي أيضا على إهتمام بكيفية المحافظة على الاستقرار في لبنان، من دون يعني ذلك التخلي عن الهدف الاميركي في معاقبة الحزب. لذلك سيبقى الموقف الاميركي متأرجحا في المرحلة المقبلة بين الاستقرار اللبناني ومعاقبة “حزب الله”، الى ان تظهر معطيات تؤدي الى المواءمة بين هذين الحديّن. في المقابل، يطل موقف اوروبي غير متحفظ لمصلحة الحفاظ على الاستقرار اللبناني ،من دون التوقف عند مسألة العقوبات التي تفرضها واشنطن على طهران وتاليا على إمتداداتها في لبنان.
بإختصار، إنها “سلة متكاملة” إنطلق الحريري بها الى مشاوراته مع جميع الاطراف.وهو يضع نصب عينيّه إحتمال ان تتكلل هذه المشاروات بالنجاح الذي ستظهر معالمه ربما في جلسة مجلس الوزراء المقبلة. لكنه، أي الحريري، يضع نصب عينيّه أيضا إحتمال عدم التجاوب، الذي سيعتبره نزع التفويض الذي ناله عند قيام هذه الحكومة.ما يعني ان التسوية الرئاسية التي جمعته مع عون هي زواج غير ماروني قابل للطلاق. إنها 48 ساعة مهمة، وفق المراقبين، يتضح خلالها خيط أبيض الأزمة من أسودها؟

السابق
باحثان إسرائيليان يكشفان مئات الحسابات المزيفة الداعمة لنتنياهو
التالي
ملاكم «يقتل» خصمه بالضربة القاضية!