هل إيران حقاً تريد تدمير إسرائيل؟

لقد جرى مؤخرا نقاش علني ساخن بين وزير الخارجية الايراني، جواد ظريف، وبين مراسل الصحيفة الفرنسية “لابوام”. في المقابلة التي اجرتها الصحيفة مع الوزير سئل ضمن امور اخرى عن نية ايران تدمير اسرائيل ولماذا مرسوم على صواريخها البالستية كلمات “الموت لاسرائيل”. ظريف رفض مجرد طرح هذا السؤال: “متى قال أحد ما إن ايران تريد تدمير اسرائيل؟ اذكر لي شخص واحد قال ذلك”. وردا على ذلك اقتبس المراسل اقوال الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد في 2007: “اسرائيل يجب أن تختفي من الخارطة”. ظريف أجاب “احمدي نجاد اقتبس آية الله الخميني الذي قال إن اسرائيل ستختفي من صفحات التاريخ. وهو لم يقل إنه يريد تدميرها”. السياسة الاسرائيلية وسلوكها سيؤديان الى أن تتدمر ذاتيا، قال ظريف.

اقرأ أيضاً: انسحاب ترامب السوري.. انتزع الهزيمة من أنياب الانتصار

هذه المقابلة تردد صداها في ايران حيث ظهر أن هذه هي المرة الاولى التي فيها مصدر رسمي في ايران يقول بصراحة إن ايران لا تريد تدمير اسرائيل، خلافا للتحليلات في الغرب وفي اسرائيل، التي بحسبها التهديد الايراني يشمل ايضا استراتيجية لتدمير اسرائيل. ايضا المتحدث بلسان وزارة الخارجية الايرانية، بهرام قاسمي، قال إن “اقوال ظريف تتفق مع السياسة الثابتة لايران”، وأن السؤال الذي وجه له هو سؤال مخادع، حيث أن “الخميني وخامنئي قالا حقا إن اسرائيل ستختفي عن وجه الارض خلال 25 سنة بسبب سياستها، لكنهما لم يقولا إن ايران هي التي ستدمرها… ايران لم تهدد بتدمير اسرائيل، بل اسرائيل هي التي تهدد بتدمير ايران”.

ليس كل المحللين الايرانيين اقتنعوا بذلك. صحيفة “كيهان” اتهمت ظريف بتشويه اقوال الخميني، وبالانحراف عن اهداف الثورة الاسلامية، التي تشمل حسب اقواله تدمير اسرائيل. محللون آخرون اقتبسوا اقوال زعماء ايرانيين تحدثوا عن اسرائيل وكأنها ورم سرطاني يجب تدميره، وتصريحات خامنئي في 2012 التي بحسبها، ايران ستساعد كل دولة أو منظمة تحارب الدولة الصهيونية.

في المقابل، كان هناك من لن يخافوا من نشر اقوال انتقادية ضد استمرار سياسة ايران المناوئة لاسرائيل، مثل هادي برهاني، استاذ في شؤون الشرق الاوسط في جامعة طهران، الذي في مقال نشره في موقع “صديق أون لاين” كتب أن ايران تدفع ثمنا باهظا لسياستها، حيث أن معظم العالم يرى بهجمات اسرائيل على ايران نشاطات مشروعة تهدف الى مواجهة نية ايران تدمير اسرائيل. “الهدف الاساسي لسياسة ايران هو صد السياسة العنصرية لاسرائيل وليس تدميرها”.

المحلل الايراني المعروف، صادق زيبكلام، الذي يعيش في ايران، اضاف بأن “السؤال ليس هل ايران ستدمر اسرائيل أم أن اسرائيل ستدمر نفسها، بل هو من اعطى ايران المسؤولية عن تدمير اسرائيل، وهل معظم الجمهور يؤيد ذلك”. مراسلون ايرانيون آخرون طلب منهم الرد على اقوال ظريف قالوا إنه “يبدو أن هذه سياسة ايرانية جديدة، وهذا أمر هام”.

أكثر من الخلاف على الدقة في الصياغة أو حول التحليلات الدلالية لاقوال ظريف، فان مجرد الحساسية بشأن هذه الاقوال، والخلاف حول جوهرها الذي يجري في ايران، يجد صدى له ايضا في اسرائيل، التي لا يجري فيها مطلقا أي نقاش عام حول ما اعتبر هنا امر مسلم به – الادعاء بأن ايران تسعى بنفسها الى تدمير اسرائيل.

المزاج العام، مقالات انتقادية للنظام أو تحليلات سياسية تنشر في ايران، التي لا تتفق مع التصريحات الرسمية، لا تصل تقريبا الى علم الجمهور الاسرائيلي. “عندنا يقرأون الصحف الاسرائيلية المترجمة الى الانجليزية، نحن نعرف من هم السياسيون الاسرائيليون، نتابع تحقيقات نتنياهو ونحاول فهم المجتمع الاسرائيلي”، كتب لهآرتس صحافي ايراني، الذي يجري الاتصال معه عبر طريق ملتوية بواسطة البريد الالكتروني. في اسرائيل فقط هناك حفنة من المحللين في المستوى الاكاديمي ورجال الاستخبارات يقرأون الصحف الايرانية. رغم أن عدد من الصحف الهامة تنشر في الانترنت، حتى بالانجليزية أو العربية.

ليس كل الايرانيون منشغلون طوال النهار بشؤون الذرة والصواريخ واسرائيل وحزب الله أو العقوبات منذ تشرين الثاني. عرض “البؤساء” يملأ قاعة المسرح في طهران في كل ايام الاسبوع، هذا رغم أن اسعار التذاكر يتراوح بين 4 – 20 دولار، وهو سعر مرتفع بالنسبة لمواطني ايران. الممثلات لا يسمح لهن بكشف شعرهن، وغناءهن مصحوب باصوات خلفية كي لا يغنين بشكل منفرد خلافا للقانون، لكن المخرج حسين برسائي اهتم باضاءة مثيرة للانطباع، ثلج صناعي وفرقة موسيقية. هو حتى يتفاخر بأن الزعيم الاعلى علي خامنئي اعطى شهادة أهلية للعرض عندما قال إن “كتاب فكتور هوغو هو كتاب مدهش، كتاب عن المحبة والشفقة”.

من شاهد العرض أمكنه الاستمتاع من اوبرا “كرمان” التي تعرض هذه الايام في طهران. ولكنها مخصصة فقط للنساء. المسرح والاوبرا لا تحول النظام في ايران الى نظام ليبرالي اكثر. النظام لا يكف عن التسلح والتهديد، لكنه يعرف أنه من اجل أن يحظى بجمهور مطيع لا يستطيع الاكتفاء بتعليم الدين.

السابق
إيران والربيع الحار
التالي
البزري: صيدا تدفع ثمن إهمالها السياسي وغياب الدور الرقابي للبلدية