بضع كلمات خطها آرثر جيمس بلفور، وزير خارجية بريطانيا عام ١٩١٧ شكلت مفصلاً رئيسياً وحقبة سوداء في تاريخ القضية الفلسطينية والصراع العربي – الإسرائيلي ، تمكن اليهود من استغلالها ليحققوا حلمهم الدموي بإقامة كيانهم في الخامس عشر من أيار عام ١٩٤٨.
قبل نهاية الحرب العالمية الأولى سعت بريطانيا إلى كسب ود اليهود في المملكة المتحدة وباقي دول العالم، ما دفع آرثر بلفور وزير الخارجية وقتها لإعلان تعاطف بلاده مع اليهود .
وفي الـ2 من نوفمبر/تشرين الثاني 1917 أرسل بلفور رسالة إلى أحد زعماء اليهود في المملكة المتحدة البارون روتشيلد، معلناً فيها تأييد بريطانيا لطموح اليهود في إقامة وطن لهم في فلسطين.
اقرأ أيضاً: غياب المؤسسة الجامعة في الشتات الفلسطيني
رسالة “بلفور” التي وجهت إلى اللورد روتشيلد فتحت الطريق بقوة، لتأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين، لتحل أوروبا في جرة قلم المسألة اليهودية على حساب الشعب الفلسطيني وأرضه ووطنه.
وحظي هذا الكيان بعضوية الأمم المتحدة بضغط الدول الكبرى،وأصبحت إسرائيل أول دولة تنشأ على أرض الغير، وتلقى مساندة دولية جعلتها تتغطرس في المنطقة، وتتوسع وتبتلع المزيد من الأرض الفلسطينية والعربية على مسمع ومرأى من العالم أجمع.
واعتبر وزير الخارجية البريطاني وقتها أن هذا الوعد هو ضمانة للحصول على دعم الجاليات اليهودية أثناء الحرب العالمية الأولى، ومن ثم دفع الولايات المتحدة الأمريكية للدخول ضمن أطراف الحرب ودعمها بشكل أوسع.
هذا الواقع نراه يتجدد اليوم، ففي الـ6 من ديسمبر/ كانون الثاني ووسط الاضطرابات السياسية التي تشهدها أمريكا أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اعتراف دولته بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، إضافة إلى نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
كان قراراه يوما أسود في تاريخ فلسطين، وضربة قاصمة للعدالة والشرعية الدولية والقانون الدولي والأعراف الدولية.
فهذه جريمة دولية كبرى يرتكبها ضد كل الأديان السماوية وضد مبادىء القانون الدولي المتعارف عليها وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
وبهذا القرار يعطي الرئيس الأميركي دونالد ترامب نسخة أخرى من وعد بلفور وينفذه، حيث جدد رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب أمام رئيس حكومة الكيان الصهيوني، بنيامين نتنياهو، الوعد الذي كان قد قطعه للمجموعة الأكثر تطرفا في “لجنة الشؤون العامة الأميركية – الإسرائيلية” بنقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس التي يرى فيها عاصمة موحّدة لكيان موحّد، هو “دولة اليهود في العالم”.
ويأتي هذا الوعد المزدوج ليذكّر بوعد آخر أطلق، منذ مائة عام تقريبا، في الثاني من تشرين الثاني 1917، من قبل الدولة الأقوى في العالم الرأسمالي آنذاك، المملكة البريطانية المتحدة، وعلى لسان وزير خارجيتها اللورد بلفور.
اقرأ أيضاً: وعد بلفور.. نجاح إسرائيل وفشلها
ورغم اختلاف الأسباب إلا أن إرضاء المصالح الشخصية كان عاملاً مشتركاً بين القرارين. وجاء وعد بلفور تنفيذاً لسياسية المصلحة المشتركة بين بريطانيا واليهود في المنطقة.
ولا يزال حق الشعب الفلسطيني الطبيعي والتاريخي والقانوني في إقامة دولته المستقلة ذات السيادة ينتظر التنفيذ.
يمثّل هذا الحقُ ديناً تاريخيّاً يتحتّم على المجتمع الدولي الوفاء به تجاه الشعب الفلسطيني، وأن يقر بحقه في أرضه ووطنه وأن يعترف بدولته المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشريف.
لأن الشعب الفلسطيني سيبقى في أرضه وسيواصل نضاله ومسيرة كفاحه ولن يتنازل عن حقوقه المشروعة، فالحق الفلسطيني إرث تاريخي تتاورثه الاجيال، جيلاً بعد جيل.