حزب الله في نيجيريا

مهند الحاج علي

ما زال اعتقال وزير الطاقة الإسرائيلي السابق غونين سيغيف بتهمة التعامل مع إيران، انطلاقاً من نيجيريا، عصيّاً على التصديق في إسرائيل، وفقاً للإنطباعات المُسجّلة في وسائل إعلامها. وباتت القضية اليوم موضع أخذ ورد بين احتفاء وسائل الإعلام الإيرانية والموالية لطهران بالإختراق، وبين بعض “التطمينات” إسرائيلية بأن سيغيف لم يُزوّد إيران بأي معلومات حساسة. أحد الكتاب الاسرائيليين رأى أن تركيز الإيرانيين على وزير سابق في نشاطاتهم الجاسوسية، يعني أن بإمكان اسرائيل النوم باطمئنان.

يبقى أن العملية نفسها غير مسبوقة، سيما أننا لم نسمع عن تجنيد إيران مسؤولاً سياسياً، ولو سابقاً، بهذا المستوى. لكن سيغيف أيضاً ترك مناصبه الحساسة في اسرائيل قبل عقدين، وغادرها باتجاه نيجيريا وعوالم بيع السلاح والمخدرات. بعد حرمانه من ممارسة الطب في اسرائيل، هاجر إلى نيجيريا لمزاولة المهنة، وفتح عيادة ناجحة عالجت ديبلوماسيين اسرائيليين وغربيين في العاصمة النيجيرية، إلى جانب صفقات أخرى مثل بيع السلاح والمخدرات.

اقرأ أيضاً: إصلاحات ضد فقراء لبنان

في نيجيريا حيث جالية لبنانية كبيرة ومتجذرة منذ بداية القرن الماضي، جنّدت عناصر الاستخبارات الإيرانية في السفارة في أبوجا، سيغيف. كان المدخل إلى التجنيد، دعوة سيغيف إلى تعليم أطفال الدبلوماسيين الإيرانيين، ومن ثم وقع سريعاً في الفخ. عُقدت اللقاءات مع المشغلين الإيرانيين خارج نيجيريا، في بلدان كان بينها إيران التي سافر إليها مرتين.

لم تنشر وسائل الإعلام الإسرائيلية معلومات متكاملة عن فوائد سيغيف للاستخبارات الإيرانية، سيما أن السلطات الاسرائيلية فرضت حظراً على تداول هذه القضية على نطاق واسع. لكن ما سُرّب حتى الآن يوحي بأن الوزير الإسرائيلي السابق قدم ما يعرفه عن وزارة الطاقة ومواقع عسكرية اسرائيلية وأسماء ضباط أمنيين، ومعلومات لوجستية. ومن جوانب التحقيق أيضاً دور وزير الطاقة الإسرائيلي السابق في تجنيد اسرائيليين آخرين بعضهم يعمل في القطاع الأمني الخاص، لمصلحة الاستخبارات الإيرانية.

العملية فتحت الباب أمام التدقيق في التمدد الإيراني في غرب افريقيا، وتلقائياً بات “حزب الله” وإسمه على الطاولة. معهد الشرق الأوسط للدراسات ومقره واشنطن نشر يوم أمس موضوعاً عن تدريب “حزب الله” ميليشيات شيعية نيجيرية، ثقافياً ودينياً في الضاحية الجنوبية لبيروت، ومن ثم عسكرياً “في معسكري تدريب في البقاع”. المصدر الوحيد لموضوع “معهد الشرق الأوسط” الأميركي، والذي لم تُكشف هويته، تحدث عن تدريب محدود يُركز على “مسؤولين كبار في مراكز قيادية، بإمكانهم تدريب مجنّدين آخرين في نيجيريا … ويعود هؤلاء المُتدربون عادة الى لبنان كل 3 إلى 6 شهور للحصول على تدريب على أسلحة أكثر تطوراً”.

الموضوع مبني على مصدر يتيم، وهو ما يزيد الشكوك حول صدقيته، سيما أن بين الإدعاءات المنشورة فيه، مشاهدات لمواطنين نيجيريين يرتدون العباءات التقليدية ويرتادون حلقات دينية لـ”حزب الله”. ومعلوم أن للشيعة اللبنانيين علاقة تاريخية بنيجيريا تمتد على مدى عقود طويلة، تضمنت زيجات عديدة وصداقات وارتباطات عمل، وقد يكون هؤلاء النيجيريون مجرد زوار.

لكن الموضوع خطير لناحية تزامنه مع قضية سيغيف والحملة الأميركية على إيران، وأيضاً تأثيره في الجالية اللبنانية في نيجيريا حيث للجيش عداوات مع محاولات لتنظيم الشيعة النيجيريين، وهم أقلية صغيرة. عام 2015، ارتكب الجيش مجزرة بحق مئات الشيعة المنضوين في تنظيم “الحركة الاسلامية”، وما زال زعيمها الشيخ ابراهيم زكزكي قيد الإعتقال. قبلها بسنتين، اعتقلت السلطات النجيرية لبنانيين بتهمة تهريب السلاح لمصلحة “حزب الله”. حينها، زار الرئيس النيجيري اسرائيل للحصول على مساعدة في مكافحة هذه الظاهرة.

بعيد نشر موضوع المعهد الأميركي، أعادت وسائل إعلام نيجيرية باللغة الانكليزية تداوله، بما يُنذر بمخاطر محتملة للجالية اللبنانية هناك. يبقى أن على الدولة اللبنانية، أو بقاياها، القيام دور، مهما كان متواضعاً، لاحتواء مفاعيل الأزمة المقبلة وتحييد الجالية اللبنانية العالقة بين فكي نشاطات الحزب والجاسوسية الإيرانية من جهة، والحملة الأميركية-الاسرائيلية ضدهما.

السابق
أشرقت!
التالي
العثور على جثة داخل احد الشاليهات في طبرجا