التلطيّ خلف الدين

أقر مجلس الوزراء اللبناني منذ يومين إنشاء جامعة القديس جاورجيوس في بيروت. الخبر بحد ذاته جيد لأن الجامعة صرح فكري. لبنان بلد فكر وبالفعل ما إن تخرج من لبنان حتى تتأكد أنه البلد الأكثر انفتاحاً وحرية من دول كثيرة في العالم، ولا سيما من الدول العربية كافة. ولكن لماذا جامعة القديس جاورجيوس (جامعة ذات تسمية مذهبية أرثوذكسية).

الرئيس عون صرح أكثر من مرة أنه علماني وأنه يطمح الى مجتمع علماني في لبنان (علمنة شاملة). كان يمكن التمني على المؤسسين تسمية علمانية من مثل جامعة بيروت أو الجامعة الوطنية أو أي تسمية أخرى. بمجرد أن تكون التسمية تابعة لقديس ولمذهب فإن في هذا إمعاناً في المذهبية. ينبغي العمل على إصدار قانون يمنع جميع التسميات الدينية لأنها أولاً تزيد من الشرذمة ثم لأنها تحيل الى قناعات وانتماءات أيديولوجية ودينية وإلهية غير محسومة (نقولها تلطيفاً). الجامعة الإسلامية، جامعة الإمام الأوزاعي، الأزهر، القديس يوسف، الروح القدس، الأتطونية.. والمدارس حدث ولا حرج. كفى.. خاصة أنها تسميات لصروح فكرية. الصرح الفكري يعتمد تسميات علمانية. الدين مسألة مرتبطة بقناعة كل شخص. هناك تناقض خطير بين تسمية دينية وتعليم العلم.

إقرأ ايضا: أؤيد إلغاء شهادة البريفيه..

أنا أؤيد إذن العمل على إصدار قانون يمنع التسميات الدينية ولا أقول يمنع الإيمان وبناء الكنائس والجوامع وحتى الإبقاء على التوازن الطائفي “تنشوف كيف الله بدو يفرجها”. وهكذا سوف يطلب من جميع المؤسسات التعليمية والطبية والسياحية (من غير شر) تغيير تسمياها. وهذه تكون الخطوة الأولى باتجاه العلمنة الشاملة. إذ في لبنان أو علمنة شاملة أو لا علمنة مجتزأة كما يحلم البعض (حتى جماعة الحزب الشيوعي و”نضالهم الساذج” من أجل إلغاء الطائفية السياسية).

إذن قانون يفرض تغيير جميع التسميات الدينية ما عدا في المؤسسات الدينية. الهدف الأول والأساسي والفلسفي هو قطع الخطوة الأولى باتجاه العلمنة الشاملة والهدف الثاني هو اجتماعي اقتصادي لأن التسميات الدينية تسمح بالاستغلال بصورة مقيتة. التلطي خلف الغطاء الديني يسمح بممارسة شتى أنواع الاستغلال البشري والرأسمالي. والقصة معروفة: المؤسسات التربوية الدينية هي أغلى المدارس وهي حكر على الأغنياء والميسورين. والبلاجات والمسابح ذات التسميات الدينية المضحكة (على عينك يا تاجر) هي الأغلى والأكثر استغلالاً (سان سيمون، سان ميشيل…). هذا معيب. القديسون في المناسك، في الأديرة، في الصور بالمنازل وليس في المنتجعات السياحية التي لا يقوى معشر المؤمنين على دخولها. لكن الدين ورفع إسم الدين والتكلم باسم الدين يغطي المفاسد. جاري عزيز برباري، 05922098 (هذا رقم هاتفه حتى لا يقال إنني أسولف) وهو رجل مسن وقع في منزله منذ حوالي شهرين وتم نقله الى مستشفى قلب يسوع في بعبدا – الحدت ليلاً. 5000 دولار طلبت المستشفى كي يدخل فقط. تدخل أبناؤه وطلبوا الانتظار حتى الصباح ولم يفلحوا. تم نقله الى مستشفى آخر ليلا. وفي هذه الحالات لا يرف جفن الراهبة الريسة ذات المظهر المؤمن والابتسامة الكاذبة. هذا بمثابة إخبار وبرسم وزير الصحة. وجميع هذه المؤسسات الطبية تتصرف على نفس المنوال: هدفها الربح والغطاء قائم في التسميات الدينية (سانت ريتا، تيريز…). وفي الناحية الأخرى الوضع ليس أجمل: المقاصد الاسلامية، الزهراء.. الخ..

إقرأ ايضا: مشكلة لبنان سعد الحريري

قي 5 أيار الجاري احتفلت مدينة تريف Trèves الألمانية بعيد كارل ماركس (200 سنة). تحية.

 

جورج سعد (عميد متقاعد في الجامعة اللبنانية).

السابق
بري يفضل الفرزلي لـ «نيابته»
التالي
مفاوضات تقاسم الحقائب الوزارية انطلقت تنغّصها العقوبات ضدّ «حزب الله»