يا ليتنا كنا معكم

الامارات الشميسي

ينظر العديد من الناس إلى بروز ظاهرة «ويكيليكس» سنة 2006، بنوع من الإيجابية كون تلك الوثائق والمراسلات المخترقة تكشف إلى العامة طريقة عمل الحكومات، وتعري الإدارات المتعاقبة أمام الرأي العام الدولي. رغم صحة هذه النظرية من حيث المبدأ، فقد تعامل العديد من الصحافيين في عالمنا العربي مع تلك الوثائق كسلاح للتخوين وللتشهير بالشخصيات التي تختلف في نظرتها عن ما يسمى خط الممانعة المعادي للغرب والتابع لمحور إيران وأخواتها.
لعل الوثائق التي بادرت بنشرها إحدى الصحف اللبنانية تحت عنوان «الإمارات ليكس» من الأمثلة على سوء استعمال الحق في الحصول على المعلومات لخدمة مشروع سياسي يقدس قمع الحريات والحقوق الفردية.
دأبت تلك الجريدة المدعومة بـ «أموال قدسية نظيفة»، على نشر وثائق في السابق تظهر ارتباط العديد من الشخصيات الشيعية المناهضة لـ «حزب الله» والنظام السوري بالسفارة الأميركية في لبنان، واصمة إياهم بـ «شيعة السفارة»، كصفة بمثابة هدر لدمهم، لتعاملهم مع قوى الاستكبار.
أما في الأيام المنصرمة، نشرت الصحيفة مجموعة من المراسلات الديبلوماسية بين سفارة الإمارات في لبنان ووزارة الخارجية، تضمنت تقريراً مزعوماً أعده أحد الديبلوماسيين لواقع الانتخابات النيابية وبالتحديد للشخصيات الشيعية التي ترفض المشروع الإيراني المتمثل بـ «حزب الله».

اقرأ أيضاً: ابراهيم الأمين يعتذر ويتراجع: ما نشرناه عن المعارضين الشيعة اختلقه مخبر وهو غير حقيقي

ينصح كاتب التقرير المزعوم دولته بدعم تلك الشخصيات الشيعية مالياً وسياسياً في الانتخابات لمنع «حزب الله» من السيطرة المطلقة على شيعة لبنان. ورغم أنّ التقرير لا يتضمن أي ذكر أنّ هذه الشخصيات طلبت معونة مالية، قامت الصحيفة بعنونة المقال على الصفحة الأولى «كيف تمول الإمارات حملاتهم الانتخابية» في إدانة واضحة لتقاضيهم المزعوم للمال لمقارعة «المقاومة».
أتت لائحة العملاء المفترضة والتقرير المرتبط بها، في الواقع، بعكس ما أرادته الصحيفة، فكان كمدح في معرض ذم. كون كل الشخصيات، التي تجمعني بالعديد منهم صداقة شخصية وعلاقة فكرية ثقافية، هم مناصرون لفكرة الدولة القوية، وعداؤهم للحزب ومنظومته لا يأتي على خلفية رفضهم للمقاومة الوطنية بل لاحتكار ولاية الفقيه لها. فأغلب الذين ذُكرت أسماؤهم انتموا وناضلوا ضمن أحزاب وطنية وقومية أسست للمقاومة العسكرية والفكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي، قبل سنوات من دخول الحرس الثوري الإيراني إلى لبنان وقيامه بالحصول على الامتياز الحصري للمقاومة من نظام حافظ الأسد.
ليس من قبيل المصادفة أن ينشر هذا التقرير بعد أيّام من تعرض عصابة من مناصري «حزب الله»، للسيد علي الأمين أحد الشخصيات التي ذكرها التقرير، وهو سليل عائلة من العلماء العامليين منهم المرجع السيد محسن الأمين. ففي نهار الأحد تعرض الصحافي الناشط والمرشح بوجه لائحة «حزب الله» وحركة أمل في الجنوب، للضرب المبرح أثناء تعليقه لصورة انتخابية في بلدته شقرا.
محاولة التعدي تخرج من إطار المناكفات الانتخابية التي تأتي عادة في سياق أو نتيجة الشحن الانتخابي. فركل وإهانة شخص ينتمي إلى أهل البيت رسالة واضحة بأن لا بردة النبي ولا عمامة أجداده السوداء قادرة على حمايته، وتباعاً فإن مصير أي شيعي يقترع بعكس «خط المقاومة» سيواجه بالمصير ذاته وعلى يد أهل قريته.
أما الرسالة الواضحة الأخرى بأن الحزب وبعكس ما يدعي مناصروه لا يزال عاجزاً عن التحكم بكل البيئة الشيعية ورغم الموارد المالية الضخمة من إيران واستعمال الحزب لموارد الدولة اللبنانية، لا تزال أصوات هؤلاء العملاء ومقالاتهم وظهورهم الإعلامي يشكل تحدياً واضحاً للسردية المروج لها من قبل أتباع التشيع الشعوبي.
أما الأهم في ملحمة شيعة السفارة، بأنها تذكير بأنّ تناسي أهمية سيادة الدولة، وخطورة وجود تنظيم مسلح محلي يشارك في الصراع الإقليمي على مستقبل لبنان الاقتصادي والسياسي، وأن سياسة المهادنة والاحتواء، لا تفضي إلا للمزيد من التسلط من حزب لا يفهم إلا لغة القوة والسلاح.
ولعل الأهم، أنّ معارضي «حزب الله» هؤلاء – بعلمانيتهم وشيعيتهم العربية التنويرية – يطرحون مشروعاً ثقافياً مضاداً للمشروع الذي تسلل إلى الأوساط الشيعية اللبنانية لدرجة جعلت من متلقي هذه الثقافة الهجينة يظنون، مخطئين، بأنهم يقلدون دين أجدادهم.
لن تكون المرة الأولى ولا الأخيرة التي تقوم فيها تلك الأبواق بالتشهير بكل الرافضين للمشروع الإيراني أو أي مشروع آخر يهدف إلى تقويض الدولة، وفي كل الأحوال، في المرة القادمة، كما في هذه المواجهة، أجد نفسي أقول لأصدقائي الشجعان والغيارى على كل مكونات الوطن «يا ليتنا كنا معكم…».

السابق
الغموض الروسي هل يلجم حرب إسرائيل على الإيرانيين؟
التالي
لائحة «كلنا بيروت»: مواقفنا ليست رمادية.. نحن مع الشعوب ضد أنظمتها وأولويتنا التغيير