استمرار تلوث الليطاني يحوّل برالياس الى بلدة منكوبة

المعالجات في ملف تلوث نهر الليطاني لا تأتي على قدر مشكلاته، هو يزداد تعقيدا وبات "مميتا" أكثر فأكثر لمن يجاور ضفتيه.

“وجعلنا من الماء كل شيء حي..” هي حكمة إلهية وحقيقة علمية، يُطبّق نقيضها في لبنان، مع تحوّل نهر الليطاني على امتداد مجراه مصدرا للأمراض والموت. أما أسباب التلوث والمعالجات فهي معروفة، ولكن الخافي جعله المعنيون أعظم نتيجة استهتارهم واهمالهم.

بلدة برالياس في البقاع تمثّل نموذجا لباقي المناطق اللبنانية التي يخترقها النهر الملوث، فبعد اصابة ما يزيد عن 600 شخص من سكانها بمرض السرطان، تم تشغيل محطة لتكرير الصرف الصحي في مدينة زحلة منذ تشرين الثاني الفائت، فما هي وظيفة هذه المحطة وهل أدّت دورها في معالجة المشكلة؟ وكيف يؤثر تلوث النهر في الاصابة بالسرطانيات؟

سكرية: ارتفاع الاصابة بالسرطان اربعة اضعاف

النائب السابق اسماعيل سكرية وهو طبيب متخصص في امراض الجهاز الهضمي، أجرى دراسة بالاتفاق مع الجامعة الاميركية والجامعة اللبنانية والهيئة الوطنية الصحية حول علاقة تلوث نهر الليطاني بحالات السرطان المتزايدة، اوضح لـ “جنوبية” مخاطر” المواد الكيمائية التي تُرمى في النهر، ولعل نفايات المستشفيات والمصانع (مصانع المخللات والمواد البلاستيكية) هي المسبب الاول لأمراض السرطان، اضف اليه مادة “النترات” التي تستعمل كمبيد زراعي على نطاق واسع وتتسرب الى عمق التربة”.

النائب السابق اسماعيل سكرية

وقال سكرية “زادت نسبة السرطان ثلاثة او اربعة اضعاف على امتداد البلدات الواقعة على ضفتي النهر، ولا تقتصر على بلدة برالياس، فقد سُجلت حالات مرتفعة ايضا في تمنين التحتا وحوش الرافقة ورياق وشمسطار، وغيرها من المناطق والاكثر انتشارا هو سرطان المعدة بعد سرطان القولون والمثانة”.

 

وكانت مجلة شؤون جنوبية أعدت ملفا خاصا حول تلوث نهر الليطاني بعنوان “كارثة وطن” في خريف 2016، وتبين ان أعلى نسبة فضلات تُرمى من منطقة زحلة وجوارها، كالتالي: 13 مؤسسة صناعية و52 معمل ألبان وكونسروة (مخلفات ونفايات صناعية)، 8 مستشفيات (نفايات طبية)، 6 مسالخ و4 مطاعم (نفايات وبقايا لحوم).

 

ماذا يجري في برالياس؟

الناشط ومدير مدرسة برالياس الرسمية إحسان عراجي، شرح لـ ” جنوبية” ما يحدث في بلدته مؤكدا ” ارتفاع حالات السرطان واحتمال ارتباط ذلك بتلوث النهر” وقال” بعد تشغيل محطة الصرف الصحي في زحلة في تشرين الثاني الماضي، خفت الروائح والانبعاثات بنسبة 60%، اما بالنسبة لمياه النهر فهي لا تزال ملوثة، وأبرز ما كشفته الدراسات هو خلو المادة السائلة من الاوكسجين، لكن المشكلة حاليا، ان الاحواض التابعة لمحطة التكرير لا تكفي لاستيعاب ضخ مياه النهر والتي تؤثر بدورها على عملها، وهذا يعود بالطبع لسوء تنفيذ الهيكلية التي وُضعت، خاصة ان هذه المحطة مصممة لتكرير مياه الصرف الصحي وليس مياه النهر” واضاف عراجي ” لم يُثبت حتى اليوم علميا مدى علاقة الاصابة بالسرطان والروائح والانبعاثات من النهر؟”

الناشط ومدير مدرسة برالياس الرسمية إحسان عراجي

مواس عراجي: لإغاثتنا من الموت

إلا أن رئيس بلدية برالياس مواس عراجي أكد لـ “جنوبية” ارتباط ارتفاع حالات السرطان بتلوث النهر بشكل كبير، وفق الدراسات التي اثبتت ذلك بشكل قاطع، محملا المسؤولية للمعنيين في السلطة السياسية وتخليهم عن البلدة التي اصبحت منكوبة واهلها متروكون لمواجهة الموت والبؤس، وقال” هذا ليس بنهر، بل مجرور للمياه الآسنة التي تختلط بمخلفات المواد الصناعية من المناطق المجاورة وخاصة من منطقة تعنايل ومصانعها، وقد اثبتت نتائج الفحوصات ارتباط مرض السرطان وتفشيه بين الاهالي بتلوث النهر والروائح المنبعثة منه، والحديث هنا عن ضحايا بالجملة وعائلات بأكملها!”

إقرأ أيضاً: الليطاني في خطاب بري… على النهر السلام!

وأشار عراجي الى مشكلة في محطة التكرير التي استُحدثت مؤخرا ” فهي لا تغطي تصريف مخلفات المصانع في المدن المحيطة وخاصة في تعنايل حيث تصدر موادا صناعية وكيمائية خطرة” واضاف ” نحن نعيش مأساة حقيقية في ظل غياب اي اهتمام رسمي، ونتحمل الروائح وجاءنا جمعيات من كل حدب وصوب، كشفت على النهر والكل ذهب ولم يعد، كما ان عملية تنظيف النهر تقتصر فقط على البقايا العائمة، وجاءنا ايضا من يقول بضرورة “تقويم” النهر، ما هي علاقة تقويمه بالحدّ من تلوثه؟ وقامت مؤخرا احدى الشركات المتعهدة بوضع سواتر صخرية وعنابير لم نفهم ايضا الجدوى منها؟”

وتساءل عراجي” الاموال ترصد لنهر البردوني ماذا يفيدنا ذلك؟ رئيس بلدية زحلة لا يملك اي حسّ من الانسانية ولا يعنيه ما نعانيه، هو مستهتر بأرواح البشر، علما انه يشغل منصب رئيس بلدية زحلة وتعنايل والمعلقة وقد ناشدناه مرارا للتعاون معنا ونجدتنا، ولكن الامر لا يهمه”

إقرأ أيضاً: بلدة بر الياس تنتفض: أنقذونا من سموم الليطاني المسرطنة

وجّه عراجي نداءا للمعنيين من خلال موقع “جنوبية” لإغاثة بلدته من مأساتها فـ “المزروعات في السهل المحاذي للنهر تُروى بمياه آسنة والخضار المنتجة منه توزع على مساحة الوطن، ونحن نموت على مراحل وعائلات بأكملها تموت جراء السرطان وآخر الضحايا هم من آل “الهندي” دفننا آخر فرد من العائلة الاسبوع الماضي”.

السابق
15 نائباً تخلّى عنهم سعد الحريري
التالي
الجريمة الممكنة