عام على يُتم «شؤون جنوبية»

عام مرّت على رحيل محمد عقل. عام مرّت على يُتْمِ "شؤون جنوبية"، بفعل رحيل رئيس تحريرها.

هي التي أينعت على يديه، منذ تولّى رئاسة تحريرها، مضموناً صحافياً جديداً ومختلفاً، مضموناً يمكننا أن نطلق عليه، صفة “الكتابة التحويلية”، تلك التي يتسم بها مضمون الكتابة الإبداعية (شعراً ونثراً)، للكتّاب الكبار، عادة، الذين كان أحدهم (إن لم نقل على رأسهم) محمد عقل، أحدهم في كتاباته الإبداعية (دراساته ومقالاته وأحاديثه الصحافية والإعلامية إلخ) فلقد جهد محمد عقل وعلى صعيد كتابته هو صحافياً، أن تكون من نفس نسغ كتابته البحثية الإبداعية الخاصة. “وعلى كلّ”، هو المعروف عنه، في أوساط عارفيه بأنه هو الباحث والكاتب المبتكر المجدد، الذي يحاول الابتكار في كل شيء، عامداً – وبشكل لافت، وبمثابرة كان يُحسد عليها – تقديم “المعلومة” في الخبر الصحافي خصوصاً بطريقة تجعل نصّ الخبر عموماً، متّسماً بلمسات فنية، وهذا أمر نادر في العمل الصحافي عموماً. وهذا الأمر هو عين ما حققه محمد عقل في مجلته الأولى “النقطة”، وفي مجلته الثانية “بلدنا”، وهذا الأمر نفسه ما طبّقه في مجلة “شؤون جنوبية” منذ تولّيه رئاسة تحريرها، وتمثّل ذلك، في إصراره، على محاولة المقاربة العمقية والشمولية للموضوع الذي تُراد معالجته، هذا فضلاً على تشديده الدائم على التكثيف والاختصار، في تناول الموضوع (أي موضوع). فعندما كان يأتيه موضوع ما، لنشره في المجلة، ويجد فيه “كلاماً كثيراً”، كان يقول – وإن من غير تأفُّف! – “هذا حكي فاضي”. هذا، ولم يكتف محمد عقل بالتحويل الداخلي لـ”شؤون جنوبية”، بل عمل على تحريرها، من شكلها”الأفقي”، بتوليده لها الشكل العموديّ، فكانت شبيهة، لا بل نسخة طبق الأصل وعلى صعيد الشكل، طبعاً من مجلته “بلدنا”.

شؤون 166

محمد عقل، كان يفعل ذلك، لأنه كان عاشقاً للغة العربية، وهو الذي كان يقول عنها، “بأنها لغة شعرية بطبيعتها، ومن هنا اختلافها بفرادتها “الغنائية” عن اللغات الأخرى”. وعشقه وولهه بلغته العربية، جعلت منه أحد الآباء اللغويين في عصرنا الحديث، وعصرنا الحالي على السواء. وهذا ما وقف خلف إصراره الدؤوب والمرهق له، في تحويله كتابته الخصوصية (في كُتُبه) وكتابته العمومية (في كتابته الصحافية)، إلى أن تكون كتابة البحث عن المتاعب، بإظهاره ما هو مبتكر ومدهش وصادم في الوقت عينه. ويكفينا مثلاً أن نذكر عنوان كتابيه: “أبجدية القرآن من مملكة سبأ” و”التوحّد الكونيّ في القرن الهجريّ الأوّل”، الذي صودف أن أنجزه قبيل رحيله بأيّامٍ معدودات!

اقرأ أيضاً: مروان عبد العال: روائيتَّيْ هي رؤية للتاريخ من زاوية لا توثيقيّة

وإنّ محمد عقل كان شاعراً بالفطرة، أيضاً، ولقد كتب نصوصاً شعرية كثيرة بالمحكية، تتصف بالرِّقة والعذوبة، وهي غاية في اللّطف الآسِر، واللمحة الذكية.

كان محمد عقل – إلى كل ذلك –، وقبل كل ذلك وبعدهُ كياناً إنسانياً آسراً في دماثة الخُلُق، والتواضع الجمّ بالرغم من علمه الغزير، وتنويريته الأخّاذة، تفرّداً وعلوّاً.

رحل باكراً، نعم، وهذا ما حدا بالعلاّمة السيد محمد حسن الأمين، عندما حدثته في رحيل محمد عقل المبكر، وخصوصاً عندما حدّثت سماحته، عن الجهد المضني الذي يبذله محمد عقل على صعيدي القراءة والكتابة، وعلى الأخص في صبره وبحثه الذي لا يعرف الكلل، الذي كان يتمثّل في نبشه محتويات مراجع ومصادر عدّة، في وقت واحد، من أجل الوصول، إلى غايته الإبداعية فما عتّم السيد أن قال لي: “ربما هذا ما عجَّل في رحيل محمد عقل رحمه الله”.

لا تلتفت إليّ!؟

ولا تنبسْ بحرفٍ حتَّى

فأنا وأنت يا صاحبي

كنّا معاً مِمَّن

ينتظرون بفارغ الصَّبر،

ظهور الفجر الصّادق…

لكنّ هديل الحمام

نعم، هديلُ الحمام

كان يترصّدنا معاً، أيضاً،

ورغماً عنه…

بالسطوع الأبديّ

للفجر الكاذب…

(هذه المادة نشرت في مجلة “شؤون جنوبية” العدد 166 شتاء 2018)

السابق
حزب الله في أوروبا؟!
التالي
شمخاني: اسقاط المقاتلة الاسرائيلية غيَر معادلة إضرب وإهرب