تسوية على طريقة المثل الفارسي؟

كان الرئيس شارل حلو يقول، من باب الخبرة في الحكم، انك لا تستطيع تشخيص المرض في لبنان، لأن ذلك يجعلك عاجزا عن الحصول على العلاج، كما عن استعماله اذا حصلت عليه. ومن هنا كان اللجوء الى ما سمّي الالتباس البنّاء وسوء التفاهم المتفق عليه. وليس عن عبث يردد الجميع الحكمة التقليدية القائلة ان لبنان بلد تسويات، لا بلد حلول. ومعنى ذلك انه بلد أزمات وخلافات، كل تسوية فيها تقود الى خلافات وأزمات جديدة، بما يشبه المنطق الديالكتيكي.
وليس هناك، بطبائع الأمور، شيء اسمه الخلاف للخلاف أو الأزمة للأزمة، على طريقة الفن للفن. فكل خلاف أو أزمة تعبير عن صراع مصالح. والسياسة صراع مصالح في اطار مبادئ وبرامج وأحيانا في اطار شخصي. والجديد بعد وثيقة الوفاق الوطني في الطائف هو انتقال لبنان من الرهانات على مرحلة الغموض أو الالتباس البنّاء كمناخ للتسويات الناقصة والمقبولة مرحليا الى مرحلة الوضوح الكامل للمطالب والبحث عن حلول دراماتيكية كاملة. ولا مجال لمثل هذه الحلول، لا بالتوافق ولا بالقوة. ولذلك تأخذ الخلافات، ولو كان بعضها شخصيا، والأزمات الوطنية والسياسية طابع الخطورة.

اقرأ أيضاً: التهديدات الإسرائيلية.. ذريعة إطباق إيران على لبنان

والكل يطالب حاليا بمبادرات تؤدي الى تسوية لأزمة الخلاف على مرسوم دورة ١٩٩٤ بين رئاستي الجمهورية والمجلس النيابي والتي زادت في تعميقها وتوسيعها وأشعلت نيرانها مقدمة الفيديو. ولا أحد تقريبا قصّر في التذكير بالتحديات الكبيرة أمام لبنان، سواء على المستوى المالي والاقتصادي أو على المستوى الوطني لجهة التهديدات الاسرائيلية والصراعات الاقليمية التي أحدثت حتى اليوم تبدّلات غير عادية في الطبيعة الجيوسياسية في العراق وسوريا والممتدة الى لبنان. لكن الأزمة بدت عصيّة على المبادرات لأنها أكبر من الأسباب المعلنة التي أدت اليها.
والظاهر ان الطرف الأقوى والأقدر على تقديم مبادرة للتسوية يعمل على طريقة المثل الفارسي القائل: دع الصخرة الثقيلة تصل أولا الى قاع البئر، ثم فكّر كيف تخرجها. فمن النادر تسوية الأزمات في لبنان من ضمن المؤسسات. لا بل ان الأزمات تقود غالبا الى شلّ المؤسسات. وما دامت الأزمة الحالية أكبر من ظاهرها، والتسويات المقترحة شكلية وسطحية، فان المبادرة الى تسوية من خارج المؤسسات تنتظر ان تنضج الأزمة وان يحسّ بالسخن كل الأطراف، أي الى ما بعد وصول الصخرة الثقيلة الى قاع البئر.
لكن الانتظام العام في خطر. والحرص عليه، وهو واجب الجميع، يتطلب ليس فقط التهدئة بل أيضا ضمان القدرة على عمل المؤسسات.

السابق
ريفي معلقاً على توقيف الناشطة تيما حايك: يثيرون الغرائز الطائفية
التالي
بو صعب يرد على اتهامات الـ«otv» فهل يتحرك القضاء؟