أزمة الفكر السياسي الشيعي في إيران!

ما هي أوجه الازمة السياسية في ايران التي اظهرتها الاحتجاجات الاخيرة؟

يعتقد البعض أن نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية يعاني من أزمة في الفكر السياسي هي امتداد لأزمة الفكر السياسي الشيعي العام حيث تتواجه هناك نظريتان؛ إحداهما لا تزال تنظر إلى السلطة والحكم نظرة سلبية، وترى أنه يجدر بالشيعة أن يكونوا بعيدين عن السلطة الفعليّة وألاعيب السياسة الإقليمية أو الدولية ويكون للفقيه الجامع للشرائط، وهو ما يسمى بالحاكم الشرعي أيضاً ولاية ضيقة على المؤمنين تشمل القُصّر والمجانين والأمور الحسبية و…

إذن، هي دعوة للتقوقع الاجتماعي والانضباط في كيان مذهبي ضيق يسير شؤونه الملحة الفقهاء والمجتهدون. وهذه النظرية لا تزال حاضرة وبقوة في المجامع العلمية التقليدية.

إقرا ايضا: احتجاجات إيران: التجربة الإسلامية الشيعية في خطر

وفي المقابل، هناك نظرية ولاية الفقيه المطلقة القائمة على أن للفقيه العادل الحكيم المحيط بشؤون الفكر والسياسة ولاية على المسلمين تخوله أن يتولى السلطة السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، مضافاً إلى وجوب طاعته في أحكام الدين الفقهية – العبادات والمعاملات – وهكذا يجد الفقيه الجامع لهذه الشرائط – ولو كان وحيداً ودون أي استشارة لسائر الفقهاء – نفسه مسؤولاً عن إقامة نظام إسلامي متكامل يضمن للناس كافة ما يمكنه من العدالة والإنصاف وحقوق الفرد والجماعة وفق معايير الدين الإسلامي الحنيف، حسب ما أوصله إليه اجتهاده.

إذن، هو يقوم بذلك بمقتضى ولايته التي هي امتداد لولاية المعصوم – وهو اليوم المهدي المنتظر -، يقوم بذلك مستشعراً المسؤولية الكبرى في القيام بهذا الواجب الإلهي المقدس وعازماً على المحافظة على سائر ما أنجزه في هذا النظام مهما بلغت التضحيات.

وفي مجريات إقامة النظام الإسلامي والمحافظة عليه وتطويره، سيواجه الفقيه عقبات ومشاكل وأزمات يعالجها بعضهم بالتمسك بالمبادئ والثوابت الدينية، ولو على حساب خسارة بعض الجماهير والتأييد الشعبي.

ويذهب بعضهم إلى أن مواجهة تلك الأزمات لا بد أن يكون وفق معيار الموازنة بين الثبات على المبدأ الحق، ولو أدى ذلك لضعف السلطة وخسران شيء من القوة والهيبة و…

وبين ترجيح المصلحة العليا للإسلام والمسلمين في أن يكون لهم دولة وحضور فاعل على كافة المستويات وفي المنطقة والعالم معاً ولو كان ذلك يتطلب تنازلاً اضطرارياً ومؤقتاً عن بعض المبادئ والثوابت الدينية المعروفة.

طبعاً هذه وغيرها تمثّل نظريات فكرية عميقة ولها تشعباتها الكثيرة وصياغاتها المتعددة وأدلتها المتضافرة وآثارها المختلفة وأيضاً جماهيرها الممتدة في أصقاع العالم.

ولكن هذه الجماهير على العموم لا تعرف كامل تفاصيل وملابسات الأزمات، ولذلك قد ينظرون إلى المشكلة من زاوية ضيقة ويصرون على أن الحل يكون بهذه الطريقة ويرون المصلحة الكبرى في خيارٍ ما بينما يكون للمعنيين وأصحاب القرار -بناء على معلومات وإحصاءات وقرائن و…- رأي آخر مختلف. وهنا ينطلق كل فريق يتهم الآخر بالتقصير وسوء التدبير.

أعتقد أن مثل هذه الإشكاليات الفكرية الكبرى وما تستتبعه من نظريات ومباني فكرية وفقهية يجب أن يضطلع في بلورتها كبار العلماء والمفكرين والمثقفين من كافة الاتجاهات، وان يكون هناك عمل جاد وسريع للوصول إلى توافق على نظرية ولو نظرية وسطى تلقى قبولاً من كافة الشرائح الاجتماعية ويتولى العلماء والمبلغون تبسيطها وتوضيحها للناس ليكون الجميع على بينة من أمره، وأن يتم الشرح للناس وبشكل دوري واقع الأزمات التي تواجهها السلطة ليعرفوا حكمة القيادة في اتخاذ القرار أو ليطرحوا بديلاً متكاملاً عن خطة السلطة وقرارها ولعل السلطة تقتنع بذاك البديل فتتوحد الرؤى والتوجهات وهو ما يحقق التماسك والوحدة والسكون والطمأنينة للجميع.

مهما كان إيماننا بولاية الفقيه المطلقة او المقيدة فلا ينبغي أن نصل إلى حيث نعتقد بعصمته أو قداسته، بل هو عالم ورع يبذل قصارى جهده للوصول إلى حقيقة مراد الله ورسوله وأهل بيته، ولكنه قد يهتدي إلى ذلك وقد يخطئ.

وبالتالي، يجب عليه أن يتقبّل النقد والمشورة، ولو من غير زمرة المستشارين المحيطين به. إذا فتح هذا الباب -كما يجب وبالطريقة الصحيحة والشفافية الكاملة والآلية الدقيقة والمضبوطة – أعتقد أن كثيراً من الضغط النفسي المستعر في صدور الناس سوف يتلاشى وسوف يفهم أغلب الناس إن لم يكن كلهم طبيعة ما يجري وسيكونون مع القيادة صفاً واحداً.

نعم، سينعزل عن الجماعة ذوو الأهداف الخبيثة، ولكن لن يكون لكلماتهم وهم قلة أيّ صدى مؤثر في واقع الأمة وحركتها في سائر المجالات.

إقرأ ايضا: إيران غير مستعدة بعد للتحرر من سلطة «المرشد»

هذا الضغط النفسي الناشئ عن بعض الهفوات والأخطاء، كما عن الجهل وضبابية صورة الواقع، هو السبب الرئيس في مشاركة شرائح واسعة من الشعب في حركات احتجاجية تتخذ شكل المطالب الحياتية تارة وشكل الاعتراض السياسي أخرى وشكل الإصلاح الاجتماعي ثالثة وهكذا…

وعليه هي أشكال متعددة والجوهر واحد وهو حالة من الغموض تكتنف سائر المجالات ويشعر معها المواطن بالغبن والظلم والتعب ويتبع ذلك حالة من الغضب سرعان ما تنفجر في تظاهرة هنا وحراك هناك. هي أزمة في وضوح صورة النظام الفكري السياسي المعتمد وآليات عمله ومدى نزاهته وحدود أهدافه وتطلعاته.

ونسأل الله ان يحفظ الإسلام وأهله من كل سوء وأن يرزق كل إنسان عادل حر نزيه عيشاً كريماً عزيزاً.

السابق
كيفية تحويل السيارة التي تعمل على بنزين إلى سيارة تعمل على طاقة المتجددة
التالي
التوتر بين «القوات» و«التيار الوطني» بلغ ذروته.. وهذا ما يخطط له باسيل!