خلفيات أزمة مرسوم الترقيات: صراع أوزان وزعامات

"حقوق ترقية ضباط عون" ومجابتها بـ"لاءت" الرئيس بري " لأسباب دستورية ،ولكن أين حقوق الاف ضحايا الحرب الأهلية؟

لا تزال أزمة “مرسوم الاقدمية ” لضباط دورة 1994 عالقة في عنق الزجاجة بين الرئاستين الأولى والثانية. إذ لم يبدِ كلاَ من الرئيسين ميشال عون ونبيه بري مرونة في موقفهما الأمر الذي خرج عن نطاق السيطرة في ظلّ إصرار عون على مرسوم الخلاف والمتعلّق بمنح أقدمية سنة لضباط الجيش “ليطلق عليهم الاعلام تسمية ضباط “دورة عون” (كونهم دخلوا “الحربية” إبان فترة رئاسة عون للحكومة العسكرية)”. كحق مكتسب لا يُثقل خزينة الدولة بأي أعباء مالية، ، في حين ان رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي اعتبر انّ المرسوم خطأ كبيرا لا يمكن ان يمرّ لتجاوزه توقيع وزير المال ولأنه حسب تعبيره يضرب القوانين والميثاق ويعتبر جريمة بحق المؤسسة العسكرية.

ومع إجماع الدستوريين على ضرورة أن يحمل المرسوم توقيع وزير المال وذلك بحسب المادة “54” التي تنص على على ضرورة أن يشمل التوقيع على المراسيم الوزراء المعنيين. وهو ما يفرض بالتالي توقيع وزير المال علي حسن خليل ذلك أن منح ترقيات يرتب كلفة مالية توجب توقيعه.

اقرأ أيضاً: بعد احجام حزب الله.. الحريري يدخل على خط أزمة «مرسوم الترقيات»

وقد تجاوز الخلاف حول مرسوم الأقدمية النزاع حول الدستور والأحقية إلى مسألة تخطي إتفاق الطائف والعودة بالذاكرة إلى الحرب الأهلية (التي شارك فيها الجنرال ميشال عون بحربين) والتي دامت أكثر من 15 عاما وبلغت خسائرها البشرية ما يزيد عن 150 ألف قتيلا وتشريد 40 ألف مواطن و17 ألف مفقود ومخفي قسراً.
وفيما كان عون لاعبا أساسيا في حقبة نهاية الحرب الأهلية التي أسفرت عن قتل المئات وإصابة الآلاف من المدنيين. بات اليوم يطالب بإنصاف ضباطه الذين تأخروا عن تخرجهم من المدرسة الحربية لسنيتن بسبب تسريحهم سنة 1990 إبان نهاية الحرب.

وفي هذا السياق، كان لـ “جنوبية” حديث مع الباحث والمحلل السياسي ورئيس جمعية “أمم للتوثيق” لقمان سليم الذي رأى أن ” أزمة “مرسوم الاقدمية ” له ثلاثة أبعاد ” البعد الأوّل إستغرب أن كل هذا النقاش حول موضوع الترقيات و”التوقيع الشيعي” يجري وليس هناك من يذكر أن أحد الخلافات الأساسية الذي رافق تشكيل هذه الحكومة (في خريف 2016) كان النقاش حول حقيبة المال، إذ طالب عون آنذاك بهذه الوزارة إلى الوزير جبران باسيل وفيما بعد نشأ نقاش سياسي أعادنا إلى ما يسمّى  محاضر إتفاق الطائف وقرأنا يوم ذاك بقلم نقولا ناصيف نقلا عن الرئيس حسين الحسيني أن أحد البنود التي تم التوافق عليه في الطائف أن تعهد وزارة المالية إلى الشيعة بإعتبار أن هذا التوقيع لا يمكن القفز عنه عادة”.

لقمان سليم

كما أشار سليم إلى أن “الموضوع ليس له علاقة بالترقيات وهو ليس إشكالا دستوريا، إنّما بيت القصيد هو التوقيع الشيعي وعندما نتحدث عن هذا الأمر نتحدث بكل بساطة عن موضوع المثالثة “. مؤكّدا “أن الطائف في مأزق وما نعيشه اليوم بما يتعلّق بأزمة الترقيات يضعنا في مأزق له علاقة بالطائف والأخطر من ذلك المأزق الذي له علاقة بالتركيبة الديمغرافية للبنان”. مذكرا “بتصريح وزير الدفاع يعقوب الصراف الذي صرّح قبل شهر قال فيه أن المسيحيين يفضلون الدخول إلى الجيش كضباط “.

هذا وتابع سليم “ان التمييز في المؤسسة العسكرية واقع، فمن يدخل إلى الجيش كمجند إذا كان من الطوائف المسيحية، يثبت كجندي مباشرة، في حين أن هناك ألاف الشباب الذين يلتحقون بالجيش من المسلمين اضحوا بمثابة مياومين في المؤسسة العسكرية”. هذا ورأى أن “موضوع المؤسسة العسكرية هو أحد الأيدي التي تؤلم لأن في حال تعمقنا بالنزاع حول مرسوم الترقيات سوف نجد ان النقاش سيأخذنا إلى مكان أبعد من ذلك”.

أما البعد الثالث لأزمة الترقيات بحسب سليم فهو يتعلّق بحرب الإلغاء وما رافقها، فذكر بأن “هذه الحرب قضت على ما تبقى من “كيانية” سياسية مسيحية ، إضافة إلى أن اللبنانيين لم يعالجوا إرث هذه الحرب خلال كل السنوات التي تلت الطائف كما يجب”. وأضاف “واليوم هذا الملف “الترقيات” هو إحدى القنابل والألغام التي زرعت بعهد ميشال عون رئيس الجمهورية الحالي، ورئيس الوزراء انذاك التي تنفجر في وجهنا مثلها مثل غيرها من الألغام المستمرة بالمشهد السياسي.

اقرأ أيضاً: أزمة «مرسوم الترقيات» تصطدم بجدار صمت حزب الله

وفيما يتعلّق بإصرار عون على إنصاف ضباط دورة 1994 شدد سليم على نقطتين، “الأولى: ان معظمهم مسيحيين وفي حال أردنا فتح ملف المستحقين والغير مستحقين في الجيش سوف نعاود فتح ملف الولاء السياسي للكثير من الضباط وهو ما صدر أيضا عن بعض مصادر عين التينة”. مشيرا إلى أن “هذا الموضوع لا أحد يرغب بالتحدث عنه، ففي النهاية هذا الجيش مهما قلنا عنه أنه مؤسسة عابرة للطوائف إلا أنه محكوم ليس فقط بالتوازنات الطائفية بل أيضا بالتوازنات السياسية “.
اما النقطة الثانية برأي سليم أن “بيت القصيد الذي بنى عليه عون شرعيته المسيحية فكرة “الرئيس القوي”، فهو بين الحين والآخر بحاجة إلى جرعة يثبت فيها لجمهوره أنه يعيد إستنساخ الرئيس كما في عهد الجمهورية الأولى، لكن في كل مرة هناك من يذكره أنه رئيس فخري لأن رئاسة الجمهورية أصبحت منصب شرف بعد الطائف”.

السابق
حملات متبادلة بين انصار امل والتيار الحر بسبب تصريح باسيل عن اسرائيل
التالي
اتفاق سري بين إسرائيل والولايات المتحدة ضد إيران