قصة غير معلنة: باسيل «المسالم» في باريس صار في القاهرة «محاربا»!

يحتفي إعلام الثامن من آذار بالمواقف التي أعلنها وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل في الاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب السبت الماضي وخصوصا موقفه من الولايات المتحدة الاميركية على خلفية قرار الرئيس الاميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.لكن قبل إجتماع القاهرة كان هناك إجتماع دولي في باريس قبل يوم واحد من أجل دعم لبنان فكان لباسيل موقف آخر أمام الاميركيين فما هي القصة؟
موقف الوزير باسيل في القاهرة الذي ترك أصداء ترحيبية عند الفريق الايراني في لبنان جاء فيه إنه يجب إتخاذ إجراءات ضد القرار الأميركي “بدءاً من الإجراءات الديبلوماسية ومروراً بالتدابير السياسية، وصولاً إلى العقوبات الاقتصادية والمالية”.في المقابل صدر عن الاجتماع العربي موقف لم ترد فيه أية إشارة لما إقترحه الوزير اللبناني بل اعتبر القرار الأميركي” مخالفاً لكل المواثيق والقرارات الدولية وعملاً استفزازياً يثير المشاعر وينهي الدور الأميركي الراعي لعملية السلام.” وبحث الوزراء تشكيل “آلية عمل” وزارية لبحث التحركات العربية تجاه تداعيات القرار الأميركي حتى إبطاله.

اقرأ أيضاً: لبنان في فخ إيران

الصورة النقيضة لما جرى في العاصمة المصرية كانت في اليوم السابق لإجتماع القاهرة.ففي مؤتمر “مجموعة دعم لبنان” الذي إستضافته باريس ,برز ولإول مرة تركيز على القرار الدولي الرقم 1559 الصادر عام 2004 والذي شكل محطة تاريخية أخذت لبنان الى منعطفات خطرة بفعل رد فعل طهران ودمشق ما أدى الى إستشهاد الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005 وتاليا رحيل جيش النظام السوري بعد شهرين منهيا وصاية سورية إستمرت عقودا على لبنان.
وفي معلومات “النهار” ان الوزير باسيل الذي رافق رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري الى المؤتمر سعى بعد إطلاعه على مسودة القرار الى حذف ما له علاقة بالقرار 1559 لكن الجواب جاء من منظمي المؤتمر أي الامم المتحدة قاطعا بالرفض. والسبب هو ان لبنان طرف مدعو الى المؤتمر مثله مثل سائر الدول المشاركة.وتردد ان وزير الخارجية الاميركية ريكس تيلرسون الذي أعطى حضوره الى جانب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزنا مهما للمؤتمر بعث لمن يهمه الامر ان التركيز على القرارات الدولية الخاصة بلبنان بدءا بالقرار 1559 هو الاساس لكي ينال لبنان دعم المجموعة الدولية .أما في حال الذهاب الى ممارسة الانتقائية في ذكر هذه القرارات فسيؤدي الى إنتهاء المؤتمر من دون التعهد بدعم لبنان.وبناء على ما سبق لاذ الوزير باسيل بالصمت طوال ساعات المؤتمر وغادر فرنسا من دون أن تصدر عنه اية ردة فعل.
في المقابل,حصد الرئيس الحريري مباشرة دعما مهما يتعلق بالجيش اللبناني تلقاه من الوزير الاميركي الذي إعتبر ان لبنان ومن خلال جيشه الشرعي يمكنه إعطاء الدولة اللبنانية القدرة على ممارسة سيادتها على كامل أراضيها .كما أشار تيلرسون في كلمته أمام المؤتمر إلى أن واشنطن لم تتوقف أبداً عن دعم الجيش اللبناني الذي “يواجه التهديدات الإرهابية”.
وهكذا إنتهى المؤتمر الباريسي الى التأكيد على التزام إعلان بعبدا الصادر عام 2012 والذي يشدد على سياسة “النأي بالنفس” ,وكذلك التأكيد على ضرورة التقيد تماماً بالقرارات الصادرة عن مجلس الأمن، وبخاصة القرار 1701، والإسراع في نشر الجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني على نحو فاعل ومستدام، وضرورة التقيّد بالالتزامات السابقة بعدم حيازة أي أسلحة غير أسلحة الدولة اللبنانية.
وفيما نص بيان “المجموعة” باللغة الإنكليزية على القرار 1559 (وهو النص الرسمي( وقع إلتباس في النص العربي الذي خلا من الاشارة الى هذا القرار.فسارعت الخارجية الفرنسية الى إصدار توضيح يفيد أن “خطأ مطبعيا” أدى الى هذا الالتباس فجرت إزالته بإعادة إصدار النص العربي مصححا.
والسؤال الان:لماذا تحرّك باسيل لإلغاء الاشارة الى القرار 1559؟ ما يفيد للجواب على هذا السؤال هو العودة الى نص القرار الذي أكد على “دعمه القوي لوحدة أرض لبنان وسيادته واستقلاله السياسي ضمن حدوده الاقليمية المعترف بها” معبّرا عن “بالغ قلقه لإستمرار تواجد الميليشيات المسلحة في لبنان والتي تمنع الحكومة اللبنانية من ممارسة سيادتها الكاملة على التراب اللبناني بأكمله” .وإذ طالب القرار “جميع القوات الاجنبية الباقية بالانسحاب من لبنان”(وقد تحقق ذلك في نيسان 2005 بإنسحاب جيش النظام السوري ) دعا الى “حل ونزع أسلحة كافة الميلشيات اللبنانية وغير اللبنانية “(وهذا الطلب ما زال حبر على ورق من 13 عاما بسب بقاء “حزب الله” بكامل أسلحته).
هل أراد باسيل التغطية على “حزب الله” بسلوكه هذا في باريس؟وهل قام بالتعويض عن فشله في هذه المهمة بالموقف المتشدد من واشنطن في إجتماع القاهرة؟لا حاجة هنا الى القول الى ان الجواب على هذيّن السؤاليّن بالايجاب عندما تطالعنا صورة باسيل “المسالم” في باريس والتي صارت في القاهرة صورة “المحارب”!

السابق
محدلة «تحالف خماسي» تضمّ المستقبل لاكتساح الانتخابات المقبلة
التالي
الميليشيات العراقية تحلّ نفسها… فهل يحلّ حزب الله نفسه؟