شباب الضاحية الجنوبية: ضحايا المخدّرات!

الضاحية الجنوبية المخدرات
في الثاني والعشرين من أيار 2017 توفي فادي بجرعة زائدة من المخدرات وكان فادي يبلغ من العمر 23 عاماً، ويقطن في أحد المناطق العشوائية في ضاحية بيروت الجنوبية. عانى طويلاً من صعوبة إيجاد فرصة عمل ملائمة، يستطيع من خلالها تأمين قوته اليومي، ومساعدة والدته.

كانت حالة فادي المعيشية دون خط الفقر، ما دفعه في السنوات الثلاث الماضية إلى الانخراط في المراهنات على الخيول وكرة القدم. حاول فادي طويلاً إثبات نفسه، ولكن الفشل قاده إلى تعاطي المخدرات كحل من أجل الهروب من الواقع المزري الذي كان يعيشه، إلى أن أجهز الإدمان على حياته، ودمّر حياة والدته وأسرته عندما انقلب كل شيء إلى مسرح حزن أبدي.

اقرأ أيضاً: المدمنون ضحايا التقصير في تطبيق قانون المخدرات

تزايد اعداد المتعاطين
فادي ليس الشاب الوحيد في ضواحي بيروت الفقيرة، الذي يعاني من إدمان المخدرات، إن عدد الشبان الذين يقدمون على تعاطي مادة حشيشة الكيف بتزايد مطرد نتيجة غياب فرص العمل والخطط الصحية الطارئة وانحلال الأمن الاجتماعي،إن عدداً من الشبان يتعاطون أيضاً مواد أخرى أكثر خطورة، مثل السيلفيا، والبانزكسول، وحبوب الفراولة المهدئة، والهيرويين، وجميع أنواع حبوب الهلوسة.
نبتة السيلفيا، شبيهة بعشبة الحشيشة من حيث المظهر، ولكنها تستخدم كمخدر للخيل والحمير. منذ عام 2014، ارتفع عدد الشبان في ضواحي بيروت، المدمنين على هذه المادة. وتمكن تجار المخدرات من الترويج لها في الضواحي الفقيرة، كبديل عن الحشيشة بسبب سعرها الرخيص، إلا أن آثارها خطيرة، ومن بينها الهلوسة، ونشاط عالٍ للجسد، وتدفع المتعاطي إلى حالة من الهذيان، وقد يصل ضررها إلى الإغماء بعد الاستخدام مباشرة.
في شباط 2017، التقيت بالمراهق محمد.ق.، البالغ من العمر 18 عاماً ويسكن في منطقة الشياح. أخبرني أن صديقه علي يتعاطى مادة الحشيشة على الرغم من أن عمره لا يتجاوز السابعة عشرة. حاولت الاستفسار أكثر عن إمكانية عقد لقاء مع علي، فأجابني محمد أن لديه مجموعة من الأصدقاء قريبون من عمره، ويتعاطون مواداً مخدرة.

مجلة شؤون جنوبية 165

“السيمو”
في 28 أيار 2017، التقيت صدفة مع شاب يدعى علي رضا، كانت أسنانه صفراء جداً. سألته عن صحته، كان جوابه محزناً، ومع الوقت اعترف لي أنه يتعاطي مادة مخدرة اسمها “سيمو” وهي عبارة عن دواء لمعالجة السعال، ويمكن استخدامها في حال خلطها مع مشروبات غازية وتناولها بجرعات كبيرة، كمخدر يدوم مفعوله ليومين.
تبلغ قيمة عبوة الـ”سيمو” عشرة دولارات بسبب الإقبال الشديد عليها من الشباب. وتمنح شعوراً بالهذيان، او ما يمكن وصفه بحالة الانفصال التام عن الواقع، وتنتشر المادة بكثافة في الأحياء الأكثر بؤساً في الضواحي، حتى أطلق على أحد الأحياء في منطقة برج البراجنة في الضاحية الجنوبية المعروف بإسم “حي الجورة” إسم آخر هو “حي السيمو”، وذلك بسبب سكن عدد كبير من متعاطي المخدر ومروجيه في تلك المنطقة.

اقرأ أيضاً: 24 ألف متعاطٍ للمخدرات بينهم تلامذة وجامعيون: الاسباب كثيرة والنتائج كارثية

وفي 20 تموز 2017، كنت مع مجموعة أصدقاء في أحد مقاهي الضاحية، عندما دخل إلى المقهى شاب يبلغ من العمر 31 عاماً كان مظهره رثاً، صاحب المقهى على دراية بوضع الشاب الصحي وإدمانه على حبوب البانزكسول، فبدأ بإطلاق المزاح الساخر. وتبين لاحقاً أن الشاب المدمن يدعى حيدر ش. ويسكن في منطقة الأوزاعي وهي من أحزمة البؤس في بيروت، بدأ الشاب يردد بصوت مرتفع كلمات تحاكي اشتياقه لوالده الموقوف على ذمة التحقيق بسبب إقدام شقيقته على قتل أحد الأشخاص، أمضى حيدر سنة ونصف في السجن بتهمة الترويج للمخدرات، وخرج من السجن بتاريخ الأول من تموز، إلا أن الأسابيع القليلة كانت كافية لإعادته إلى دوامة المخدرات. دعوت حيدر للجلوس إلى طاولتنا، وسألته ما إذا كان يتمنى أن يتلقى اهتماماً صحياً وأن يتم إرساله إلى مركز للمعالجة، تحدث الشاب رغم لسانه الثقيل وحركاته غير المتزنة عن أمنيته بأن يجد مركزاً يؤمن له العلاج المجاني، لكنه توفي بسبب جرعة زائدة في أواخر شهر تموز وتداول الناس أن سبب وفاته نوبة قلبية عابرة ولكن تناوله جرعة زائدة من المخدرات هي الحقيقة التي تحاول عائلة حيدر إخفاءها. هذه القصص لا تروي حوادث عابرة ستُطوى مع الزمن، إنما تبشّر شباب ضاحية بيروت الجنوبية بما هو أسوأ.

(هذه المادة نشرت في مجلة “شؤون جنوبية” العدد 165 خريف 2017)

السابق
ماكرون يغرد مستقبلاً الحريري: أهلاً وسهلاً!
التالي
الخارجية الألمانية ترحب بزياة الحريري إلى باريس