كفى شيطنة للسنّة!

يستمر منذ حوالي العقدين نهج التحريض على السنة في العالمين الإسلامي والعربي ومن ضمنهما لبنان. فبعد حقبة تجييش المسلمين عموما والسنة خاصة لمواجهة الاحتلال السوفياتي لأفغانستان وصولا الى انهياره، كان لا بد من إيجاد عدو ليس فقط لتبرير استمرار الهيمنة والحفاظ على مبررات الموازنات العسكرية الهائلة، بل كذلك لمنع أي نهوض سياسي واقتصادي في هذه المنطقة ذات الأهمية الجيوسياسية المقررة لموازين القوى إقليميا وعالميا على كافة الأصعدة.

أتت عمليات تفجير مبنيي التجارة العالمية والبنتاغون في 11/9/2001 لتعزز هذا المنحى فتصاعد نهج شيطنة المسلمين السنة خاصة والمسلمين عامة وما تبعه من احتلال لأفغانستان وصولا الى غزو العراق بذريعة وجود أسلحة للتدمير الشامل ثبت خواؤها، وبدعم وموافقة معظم دول العالم. وجرى تدمير ممنهج وشامل للبلدان المحتلة وتدمير بناها ومؤسساتها، مما خلق فراغا كان لا بد من ملئه.

اقرأ أيضاً: أهل السنة : نحن لا عاشوراء لنا … وهذا ما نقوله عن يزيد !

فأصبح كل مسلم عموما وكل سني خصوصا متهم حتى اثبات العكس. فهو اذن وهابي او سلفي او اصولي او تكفيري او قاعدة او نصرة او داعشي. وتم استحضار كل الأحقاد التاريخية والخلافات المذهبية مضافة الى تخويف الاخرين من هذا الإرهاب السني والجرائم الوحشية غير المسبوقة لداعش التي تعاظم شأنها فجأة بتسليم الموصل لها بعد قمع لسنوات للحراك السلمي للسكان وتصفية منهجية لقوات الصحوة، لتتوسع مناطق سيطرتها فتشمل مناطق واسعة من سوريا وصولا الى اعلان الخلافة المزعومة تحت حجة مواجهة الخطر الوجودي الذي تشكله إيران والشيعة والتحالف الصليبي. أثار ذلك الرعب لدى الاخرين مما سهل بالمقابل تجييشهم بحجة حمايتهم من داعش والسنة واحياء منطق تحالف الأقليات، الذي طالما استخدمته قوى الهيمنة الخارجية لإثارة النعرات واستخدامها لتمكين نفوذها واستمراره.

نظرة سريعة لتاريخ المنطقة تكفي لكي ندرك ان القوى المهيمنة في العالم عملت منذ مئات السنين على منع قيام كيانات متماسكة وقابلة لاحتلال مكانة هامة إقليميا وعالميا. لا مصلحة لهذه القوى بتكرار تجربة محمد علي في مصر التي كادت ان تحل مكان الرجل المريض وتمنع تقاسم أرثه. فأتى وعد بلفور وثم قيام إسرائيل كمدماك أساسي لمنع حدوث أمر مماثل. وتتالت بعدها موجة الانقلابات العسكرية وحماية أنظمة استبدادية لا هاجس لديها سوى استمرار سلطتها. ولم تهدأ قط النزاعات البينية حتى بين حكومات تنتمي الى المدراس الفكرية والسياسية نفسها. الهدف الأساسي منع أي تقارب ضمن هذه الكتلة البشرية التي لديها من أسباب ومقومات التعاون أكثر بكثير مما يتوفر لدى تكتلات إقليمية بنت وتستمر في بناء أسس ثابتة لتطورها وتنميتها.
وها نحن اليوم امام مرحلة جديدة فائقة التعقيد لتعميق التمزق وتحويل المنطقة الى كيانات مذهبية ودينية وعرقية متصارعة تبرر الطابع العنصري والديني المتعاظم لإسرائيل ويعزز دورها كقوة إقليمية أساسية دون منافس. وما شيطنة السنة واثارة الرعب من تنظيمات تتغطى باسم مظلومية تطالهم لتحولهم بنظر الآخرين من مواطنيهم الى مصدر للخطر، مما يسهل انقيادهم وراء حماية مزعومة لتحالف أقليات ويجعلهم يتغاضون لابل يتقبلون وفي العديد من الأحيان يشاركون في سياق حملة محاربة الإرهاب في عمليات تطال مدنيين مغلوبين على امرهم في الموصل والرقة وتوقع بينهم ضحايا لا ذنب لها سوى وجودها في أماكن سيطرة داعش. هؤلاء ليسوا سوى اضرار جانبية، لا بل يصل الامر الى ان ترتكب فصائل مشاركة في قوات الحشد الشعبي جرائم موصوفة بعد ان صرح لها العديد من قادتها لابل دعا صراحة للانتقام من “أحفاد قتلة الحسين”.

وفي لبنان تزداد الحملة العنصرية شراسة مستهدفة كل السوريين اللاجئين مستثنية أنصار النظام واركانه الذين لم يكفوا عن التحرك بحرية لابل عادوا الى التدخل في شؤون البلاد عبر حلفائهم مطالبين بعودة التنسيق (الذي استمر بأشكال مخفية). وها نحن اليوم امام معركة يخوضها حزب الله مع جيش النظام السوري في جرود عرسال يقف الجيش فيه حاميا للبلدة وللنازحين السوريين فيها بدعم كامل من اللبنانيين كافة. لكن هذه الشيطنة قد تجعل من احتمال تعرض النازحين لا بل أيضا أهالي البلدة لخسائر وايذاء مباشر نتيجة لتسلل محتمل للمسلحين الإرهابيين الى المخيمات والبلدة ضمن ما يسمى بالأضرار الجانبية بحكم انتمائهم الى تلك البيئة الحاضنة المشيطنة وبالتالي لا أهمية لذلك كما رأينا في الموصل والرقة. وقد يمر هكذا تصرف مرور الكرام لان المعنيين هم أبناء تلك البيئة المشكوك ببراءتها والمتهمة أصلا بالأصولية والسلفية والإرهاب ولا تشكل بعض الخسائر الاضافية في صفوفها مشكلة مهمة بنظر الأخرين كونها أضحت بفعل تلك المعادلة مصدرا لخطر وجودي. لكن ذلك سيزيد من الغضب المتراكم لدى تلك الفئة وسيأتي اليوم الذي ستتمكن فيه من تفجير غضبها ورغبتها بالثأر وستكون الأقليات التي تتغطرس حاليا بفائض للقوة تتيحه لها معادلات إقليمية لا يمكن ان تدوم الى الابد الضحية الأولى لما يتراكم من حقد وضغينة؟

اقرأ أيضاً: زعيم أهل السنة في إيران: لإلغاء المادة القانونية التي تمنع ترشح السنة للرئاسة

ويستخدم حزب الله اسلوب توزيع غنائم المحاصصة لاستيعاب أطراف السلطة ومنع قيام الدولة وتفريغ المؤسسات من دورها لتأمين سيطرته كاملة عليها. مع الاستمرار بشحن المشاعر المذهبية والتدخل القتالي في سوريا مضحيا بدماء زهرة شباب شيعة لبنان دفاعا عن نظام مستبد عانى من احتلاله ووصايته اللبنانيون عشرات السنين، مستفيدا من انهماك كافة أطراف السلطة بصفقات نهب ثروات وموارد البلاد ومن غياب أي معارضة متماسكة وانخراط وسائل الاعلام في حملة التحريض الطائفي والكراهية والعنصرية.

لذلك فمن مصلحة كل مكونات مجتمعاتنا ولا سيما الشيعة الكف عن تقديم وتصوير السنة كبيئة شريرة حاضنة للإرهاب، لأن في ذلك إضافة الى تدمير مكونات وطننا والبلدان المحيطة، إثارة لرعب المكونات الأخرى لدفعها الى منطق تحالف أقليات أدى الى كوارث لا تحصى في تاريخنا، وإلى تقبل حمايات خارجية لا بل الى الانسلاخ عن الأوطان والانخراط في مشاريع إمبراطورية وقودها ابناء شعوبنا ومقومات اوطاننا.
ان النتيجة المأساوية لاستمرار هذا النهج لن تكون اطلاقا في مصلحة تلك الأقليات التي يدعي الكثيرون حمايتها والاهتمام بمصائرها. ان الشراكة في اوطان متماسكة وحرة هي ضمانة كل مواطنيها. وما التحول الى أدوات لصراعات نفوذ إقليمية او تنافس بين اسرائيل وإيران وتركيا والسعودية ومن خلفها القوى العظمى الا ليكرس موقع إسرائيل كركن النظام الإقليمي الأساسي ولاستمرار معاناة شعوبنا قاطبة من الاستبداد وتأبيد لأنظمته بعد ان انتفضت شعوب العديد من بلداننا من اجل الحرية والتقدم

السابق
بالصور: محمد يزبك وابراهيم أمين السيد في جرود عرسال!
التالي
الميادين تؤكد والجديد تنفي.. وإطلاق سراح الأسرى سوف يتم عبر معبر برّي