أوصي الشباب بـ«الحب»

مؤمن بالحوار، حوار الأجيال، حوار المرأة والمجتمع، حوار الشرق والغرب، حوار الأديان، الماضي والحاضر والمستقبل، وأن التقريب ينطلق مما يمكن أن يكون مسلمة بين الناس ولأنه لا يمكن أن نضع مطابقة تامة بين جيل وآخر، لكن يمكن أن نكتشف مساحة المشترك بينهما ومن خلال اكتشافها تصنع المشترك وتحدد الاختلاف وتضبطه.
رئيس المركز اللبناني للحوار والتقريب السيد هاني فحص يتحدث عن شباب جيله والفوارق التي صنعتها الأيام بين الأجيال، وكيف يلتقي جيلان بتفكير ونمط معرفي مختلف.

اقرأ أيضاً: منازلها أعشاش الفينيق قرى تتكرر مكاناً وزماناً وأهلاً

يعود السيد فحص بالذاكرة إلى الوراء، ويستذكر أيام شبابه قائلاً “كان طابع البراءة هو الغالب، والخبث استثناء، كنا جزءاً من العادات والتقاليد، وكانت الأعراس فرصتنا والدبكة فرصتنا لإثبات أننا أصبحنا رجالاً. وفي المآتم كان دورنا هو الخدمة”. وعن اهتماماتهم يقول: ” كنا نقرأ غاندي وخالد محمد خالد وميخائيل نعيمة وجبران ونجيب محفوظ، وإحسان عبد القدوس ومحمد عبد الحليم عبد الله ويوسف إدريس، فنياً كنا منقسمين بين عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش، أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفيروز مسلمات، وكانت إذاعة صوت العرب تجمعنا سواء بخطابها السياسي أو برامجها الفنية والعامة. هذه كانت من مكوناتنا “. ويضيف مبتسماً: “وفي ليالي قطاف التبغ كنا نلتقي بالصبايا نسهر سوا ونزرع سوا، كنا نحب ببراءة ريفية”.
المسافة بين شباب جيل فحص وأهاليهم كانت قريبة والسبب يعود إلى شراكة الهمّ “كنا شركاءهم، كنا نرى أهلنا كيف يتعبون فلا نخونهم، كنا نرغب أن نتعب معهم ” وكذلك في الأفكار ” لم نختلف كثيراً، وكانوا حريصين على سلوكنا وعلى الأخلاق بشكل كبير، ولم يزعجنا ذلك”.

الخلل في نظامنا المعرفي
ويرى سماحته أن مسألة اختيار كل جيل لما يريد أو توجهات شباب اليوم، لا تخضع للمساءلة “هذا من حقه أو لا، الآن هذا واقع لا بد أن نتقبل شيئاً منه، ولا بد أن نتفهمه كله، يجب أن نفهم لماذا ؟ الخلل أساساً في نظامنا المعرفي، القلق والتوتر والرغبة بالمغايرة، كان موجوداً في وقتنا نحن ولكن ظروف الحياة لم تتح لنا أن نطرح السؤال أو أن نتصرف بعيداً عن نظامنا المعرفي. نظامنا المعرفي الآن مكشوف، الخلل فيه مكشوف ولم يعد له أهلية الإلزام، وفي الوقت نفسه تفتحت ذهنية الشباب، رأوا ما يوجد في الخارج من نظم معرفة، رأوا الجيد والرديء، فذهبوا نحو الجيد والرديءذهبوا نحو المقاومة ولكن ذهبوا باتجاه التعصب المذهبي أيضاً، والانقسام الاجتماعي، تخففوا من الهمّ والوهم القوموي، ولم يدخلوا عميقاً في الهمّ الوطني، ليس لديهم قضية كبيرة تجمعهم، لقد سلبوهم قضاياهم، وعندما لا يكون الجامع هو القضايا الكبرى، يصبح الجامع جزئياً مزاجياً وعاطفياً. وهكذا نرى أننا ذاهبون إلى الفن الهابط والكتاب السطحي أو كتب الدجل والخزعبلات الدينية والدنيوية وغيره “.

الانحدار مسؤولية الجميع
هذا الانحدار ليس مسؤولية جيل الشباب الحالي برأي فحص “لا ننسَ أنهم خابت آمالهم وأحبطوا. نحن لم نطرح أكثر الأسئلة في الماضي، فوصلت إلى جيل الشباب بلا أجوبة، في حين أصبحت أسئلتهم مختلفة وأشد عمقاً وتركيباً. في النهاية لم نقدم لهم النموذج الذي يحتذى، إضافة إلى ذلك هم يعيشون ظروف عولمة فأصبحت المؤثرات تنتقل إليهم شئنا أم أبينا، هم جزء من حالة العولمة بإيجابياتها وسلبياتها “. ويضيف “للإعلام الذي نراه اليوم دور أيضاً، فقد حوّل الانقسام السياسي إلىانقسام اجتماعي قد يدمر الشباب، وعلّم أطفالنا وأجيالنا لغة لا تـُحتمل، لغة السباب والإهانة والاستهانة وإلغاء الآخر وتجاوز كل أنماط العلاقات الإنسانية والوطنية “.

“دع ألف زهرة تتفتح”
وللحدّ من هذا الانحدار يرفع فحص شعار “دع ألف زهرة تتفتح” ويقول ” يجب أن نبحث عن أماكن فيها شتول ونرعاها. أن نبحث عن المواقف الشابة ونكوّن لها أطراً معرفية تُنتج معرفة مشتركة ترى برؤية منهجية حتى يصبح عندنا نفوس شبابية جديدة نقدية ذات رؤية”. ويرى فحص ضرورة “العمل على المسألة الفنية، وأرى أن هناك بدايات حقيقية، عندما عادت المسارح الحقيقية مثلاً مسرح بيروت أو مسرح المدينة، الشباب ذهبوا إليه وتبين أن هذا الجيل عندما يناديه الجد يجدّ “. ويضيف ” على مستوى الكتاب هناك نواة تقرأ، وهناك إنتاجات عربية جديدة مهمة”. وكذلك “هناك جيل من الشباب يسأل عن الدين والتاريخ سؤالاً نقدياً “.

اقرأ أيضاً: يراعتي وعمامتي والحرب

تفهم الآخر لا الاحتواء
“رويداً رويداً تظهر مجموعات صغيرة تنمو ببطء، لكن يجب أن تنمو وتفتح المجموعات على بعضها البعض حتى تتشكل ظاهرة وهنا عندما تؤهلهم التأهيل العلمي والأدبي الملائم وغير المفروض فرضاً يصبح بإمكانهم أن يتحولوا إلى حامل لمشروع نهوض حقيقي وممكن. هنك مسافة بينهم وبين الجيل الذي سبقهم. أسئلتهم مختلفة، أنا عندما أتحدث مع أحفادي عن الأحكام الشرعية يقولون لي ما الدليل، وأمي لم تقل أبداً ما الدليل، يجب أن تُكوّن له حالة هادئة مستقرة وتقول له إن هذا الجيل هو ذاكرتك وتنبه الجيل الآخر أن يفهمه لا أن يصادره، يجب أن يستوعبوا بعضهم بعضاً حتى يتجاوزوا بعضهم بعضاً. يجب أن يكون هناك حوار أجيال حتى نشكل ذاكرة ونشكل معرفة وحتى يرى الجيل الجديد الجيل الآخر على حقيقته، فهو لا يرى منه سوى أنه أحبطه وتركه ويريد أن يسيطر عليه، وهو ذاهب لا يريد النظر إلى ورائه، فالمستقبل يحتاج إلى ذاكرة، الحلم يحتاج إلى ذاكرة “.
وصية فحص إلى جيل الشباب هي الحب “أحبوا الحياة، القيم، أحبوا الشهادة -أي أن تشهدوا- من أجل الحياة، أحبوا الأرض وتعرفوا عليها، نحن حفظنا أسماء قطع الأراضي والشجر والنباتات والأعشاب وكنا نستمتع بذلك، الحب صار أقل حباً والعلاقات أصبحت شكلية وسريعة، يجب أن يحبوا حباً صافياً وفطرياً، هم بحاجة إلى بعض المعاناة ومن لا يحب لا يعاني”.

(من كتاب في وصف الحب والحرب)

السابق
حملة لإزالة التعديات والمخالفات على شبكة الكهرباء والطرق في برج البراجنة
التالي
«أكشاك» مصر للفتاوى… لإبعاد الاسلام السياسي