معركة عرسال مسرحية: غطاء للمسلحين وانتصار لحزب الله؟

تتعزز فرص التفاوض حيناً وتنخفض أحياناً. أيام وليالٍ عصيبة تمرّ على عرسال، بأهلها ولاجئيها. التحشيد العسكري بلغ أوجه، لكن ورقة التفاوض لم تسقط بعد. وفيما تحرّكت بالأمس أكثر من قناة، تبقى القناة الأساسية هي التي يقودها عدد من المشايخ السوريين. وفي الأثناء، فُتحت قناة أخرى بالأمس، عبر وفد من المخيمات زار جرود عرسال للقاء أمير جبهة النصرة أبو مالك التلّي، لأجل مطالبته بعدم الذهاب إلى معركة، والوصول إلى حلّ للأزمة عبر التفاوض، لتجنيب عرسال والمدنيين واللاجئين، تداعيات أي معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

اقرأ أيضاً: سيناريو معركة الجرود: هل تلقى عرسال مصير الموصل والرقة؟

تشير المعلومات من القلمون، إلى أن الوفد لم يلتق التلّي، الذي أرسل من ينوب عنه للقاء أعضاء الوفد. فأبلغ الوفد رسالته ومطالبه، ولم يحصل على جواب. وفي هذا السياق، ثمة من يعلّق على ذلك بالقول إن المسعى لن يقدّم ولن يؤخّر، فيما التفاوض الجدّي يحصل في إطار آخر. لم تبدأ المعركة عسكرياً، لكنها بدأت فعلياً عبر الحرب النفسية والمعنوية والإعلامية، فيما التفاوض لا يزال قائماً بحسب ما تؤكد مصادر متابعة، رافضة إبداء أي رأي إذا ما كانت ستصل إلى نتيجة، أم أن المعركة ستندلع حقّاً.

لا شكّ في أن لدى الأطراف أجواء متناقضة. وفي مثل هذه أجواء، الجميع يلجأ إلى تسريب معلومات ومعلومات مضادة، لأنها تدخل في إطار إشغال الخصم، ومحاولة ارباكه معنوياً لدفعه إلى لقبول بشروط التفاوض. وفي جملة هذه الأفكار، وعاصفة التسريبات، فإن حزب الله يشدد على مسألة أن المعركة بالنسبة إلى المسلحين ستكون خاسرة ولا أفق لها، لاسيما أنهم محاصرون في الجرود ولا خطوط إمداد أو دعم لهم. في المقابل، تسرّب تنظيمات من بينها النصرة، أن الجبهة قد تلجأ إلى بعض المخيمات لتشتيت قوى الحزب، وأن في المخيمات أيضاً مقاتلين. علماً أن هذا الكلام يصيب اللاجئين دون غيرهم، وسيضعهم في وجهة الاستهداف.

ومن جملة التسريبات، القول إن التلّي اجتمع قبل أيام بعدد من فعاليات المخيمات، في مخيم يقع في جرود عرسال، واتهمهم بالتعاون مع الجيش اللبناني. وبينما حذّرهم من ذلك، باعتباره خروجاً على الإسلام، دعاهم إلى التعاون مع النصرة. وهذا الكلام ينفيه كلام آخر من مصادر أخرى تقول إن النصرة لا تريد الدخول في معركة داخل بلدة عرسال، ولا تريد تكرار ما حصل في العام 2014 وانعكاسات ذلك على اللاجئين. بل يقول هؤلاء إن النصرة لا ترى نفسها في معركة مع الجيش ولا تريد ذلك. وقد برز بالأمس تأكيد فعاليات المخيمات أنهم خارج أي صراع، وأن المخيمات لن تكون مقراً أو مستقراً لأي شخص يريد فتح معركة مع الجيش اللبناني. كما أكدوا أنهم سيسلمون أي شخص يريد افتعال أي إشكال أو تثبت علاقته بالمجموعات المسلحة.

هذه التسريبات المتضاربة، اتخذت طابعاً ضاغطاً في الجوّ العام، لاسيما مع تردد أن التلّي عرض الإنسحاب من المنطقة مع نحو 500 من مقاتليه عن طريق مطار بيروت إلى تركيا مع مبلغ قدره 30 مليون دولار. بالإضافة إلى إشاعة أجواء أن التلّي يرفض الذهاب إلى إدلب وفق ما يريده حزب الله، لأنه على خلاف مع أمراء آخرين من النصرة، يعتبرون أنّه شخصن المعركة ويريد أن يحقق مصالحه. وتعتبر مصادر قلمونية أن هذا الأمر يندرج سياق الحرب النفسية، لدفع المقاتلين إلى ترك النصرة والإنقلاب عليها وتسليم أنفسهم. وقد إنعكس جو التوتر والشحن داخل عرسال، مع انتشار خبر إطلاق النار على ابن شقيق رئيس البلدية باسل الحجيري، وأن إطلاق النار هو رسالة اعتراضية من المسلحين، على بيان الحجيري المؤيد للجيش، والذي يطالب المسلحين بالانسحاب وعدم خوض أي معركة. ما اعتُبر تعاوناً مع حزب الله والجيش اللبناني. لكن الحجيري سرعان ما خرج لينفي ذلك، قائلاً إن إصابة ابن شقيقه حصلت عن طريق الخطأ ولا علاقة لها بأي قضية سياسية.

وسط هذه الأجواء المتناقضة، فإن منسوب التوتر يرتفع، وكل التجهيزات لحصول معركة أصبحت ناجزة. لكن المفاوضات لم تسقط، إذ تؤكد مصادر متابعة أن اجتماعاً لكل الفصائل المسلّحة عُقد ليلاً في جرود عرسال لبحث كل الاحتمالات التفاوضية. ما يعني أن هناك استعداداً للبحث في مسألة الانسحاب، على قاعدة تجنيب عرسال والمدنيين إراقة للدماء. وتنقل مصادر متابعة أن الشروط الماضية قد سقطت، وأن هناك شروطاً جديدة، لأجل مناقشتها وبحثها. ولا تستبعد المصادر أنه في حال فُتحت المفاوضات جدياً، ستبدأ عملية جوجلة الشروط وغربلتها وتعديلها. وهناك من يقول مثلاً: “إذا ما عرض حزب الله على بعض الفصائل الذهاب إلى إدلب، فقد ترفض ذلك، وتطالب بالذهاب إلى درعا”.

يبدو أن الطرفين يفضلان عدم الذهاب إلى معركة. وهناك من يعتبر أن الوصول إلى تسوية ممكنة، وهذه التسوية قد تقتضي حصول معركة ولو شكلية، لأجل تبرير الانسحاب للفصائل من جهة، وإعلان حزب الله والجيش الانتصار من جهة ثانية.

السابق
المفتي سوسان: الجمعة سيكون يومان للقدس في مساجد صيدا لاستنهاض الناس دفاعا عن المقدسات
التالي
سوريا: هل هو الفصل الأخير؟