الخليج متهماً بالارهاب

حسين عبد الحسين

أظهرت جلسة استماع انعقدت في “لجنة الشؤون الخارجية” في مجلس الشيوخ الاميركي انه يخطئ في الخليج من يعتقد أن بإمكانه الاستعانة بالولايات المتحدة على أشقاء له في الخليج نفسه، كما في الأزمة الخليجية المندلعة منذ أسابيع.

الجلسة المذكورة ترأسها السناتور الجمهوري بوب كوركر، وتحدث فيها اليهوديان الاميركيان: اليوت ابرامز، وهو مسؤول سابق في ادارتي ريغان وبوش الابن، ودان شابيرو، وهو مسؤول سابق في إدارة باراك أوباما وسفير الاخير الى اسرائيل. وتمحور النقاش حول ضرورة مصادقة الكونغرس الاميركي على مشروع قانون يقضي بتعليق التمويل الاميركي للسلطة الفلسطينية، بسبب قيام الاخيرة بتمويل تعويضات ورواتب افراد أسر الفلسطيينيين الراحلين ممن يثبت تورطهم في هجمات ضد اسرائيل.

اقرأ أيضاً: رجعية الجهاد التكفيري وحداثته

لا يكترث المشرعون الاميركيون ان الرئيس الفلسطيني محمود عباس وسلطته يتلقيان الجزء الاكبر من تمويلهما من عواصم خليجية غير الدوحة، بل أسهب هؤلاء المشرعون في ضرورة تجفيف مصادر تمويل السلطة الفلسطينية، بتهمة ان الاخيرة تموّل عائلات إرهابيين بعد مقتلهم.

ولم تقتصر اتهامات المشرعين الاميركيين لعباس وسلطته بتمويل الارهاب، بل انقض المشرعون على عواصم خليجية غير الدوحة، وقالوا ان هذه العواصم تموّل التطرف والارهاب، بل ان الخليج بأكمله يموّل الارهاب.

لا تعرف غالبية الاميركيين، بما في ذلك اعضاء الكونغرس، الفارق بين قطر والامارات او السعودية. بالنسبة للغالبية الاميركية، كل الخليجيين عرب، يرتدون زيا تقليديا، ويعيشون في الصحراء، التي يعيش فيها الكثير من الجمال.

هذه الصورة النمطية الاميركية، الغالبة عن الخليج، تمنع واشنطن من الاصطفاف الى جانب فريق خليجي ضد آخر، على الرغم من العلاقات الوثيقة التي قد تربط واشنطن بعاصمة خليجية اكثر من اخرى. بالنسبة لغالبية المشرعين الاميركيين، تشكل الأزمة الخليجية تأكيدا للاعتقاد الاميركي بأن الخليجيين، كل الخليجيين، متطرفون، وأن دينهم يأمرهم بالتطرف، وان ثراء الخليجيين يسمح لهم بتمويل الارهاب حول العالم، في هجمات 11 أيلول سبتمبر، وقبلها وبعدها، وفي غزة كما في الضفة الغربية، وفي العراق كما في سوريا ام مصر ام ليبيا.

عززت الأزمة الخليجية الانطباعات الاميركية الخاطئة عن الخليج، والصقت بأهله تهمة تمويل الارهاب، فتكرار ان بعض الدول تطالب قطر بوقف تمويلها للارهاب لا يعني ان الاميركيين يعون الفارق بين هذه الدول والدوحة، بل ان هذه المطالب صادقت على اعتقاد اميركي مفاده أن كل الخليجيين يمولون الارهاب، وان اتهام خليجيين للدوحة بتمويل الارهاب هو بمثابة “شهد شاهد من اهله”.

في جلسة مجلس الشيوخ عن منع الاموال الاميركية عن السلطة الفلسطينية الممولة للارهاب ساد انطباع عام بأن كل العرب يمولون الارهاب، وانه لا يحق لبعض العرب اتهام عرب آخرين بتمويل هذا الارهاب، لأنهم اما شركاء في التمويل، ام متورطون اكثر ممن يتهمونهم.

دول مجلس التعاون الخليجي

يوم وقف الرئيس دونالد ترامب في الرياض يحثّ كل العرب على طرد الارهابيين من دورهم ومجتمعاتهم ودور عبادتهم، لم يوجّه اتهاماته لقطر، بل هو وجهها لكل العرب الحاضرين. بعدها بايام، حاول ترامب التلاعب بالقول ان الأزمة الخليجية صادقت على صحة خطابه، وألمح — غالبا عن طريق مقربين منه أطلوا عبر قناة فوكس اليمينية المتطرفة — ان زيارته الى السعودية أدت الى توبة بعض الخليجيين، وأدت الى انقلابهم على انفسهم والى محاولتهم طرد الارهابيين من بينهم، وانه في هذا السياق جاءت الحملة ضد قطر.

في التراث العربي حكم متعددة تدعو الى تضامن الاخوة ونبذ الفرقة، وتحذر من مغبة الانقسام بين الاشقاء، من ذلك قول المثل ان “من حفر حفرة لأخيه وقع فيها”. وفي حالة الأزمة الخليجية، يبدو ان من حفر لأخيه، وقع هو وأوقع اخيه فيها.

في الأزمة الخليجية المندلعة بسبب مكافحة الارهاب المزعوم، ألبس بعض الخليجيين أنفسهم وأشقاءهم تهمة لطالما سعى الخليج وسائر العرب الخروج منها على مدى العقدين المنصرمين.

السابق
وأصبح لـ دي ميستورا نسخة «تايوانية»… ريكس تيلرسون
التالي
ما بعد الاتفاق الأميركي ـ القطري