الحرب النفسية في الأزمة الخليجية

دول الخليج

“ما من شك أن تلاعب الحكومات بالرأي العام نتيجة منطقية للحرب الحديثة واسعة النطاق”. في عشرينيات القرن الماضي، لم يتوقع عالم الاتصال، لازويل، وهو يسطر ذلك على الحرب العالمية الأولى، أن حروبا أقسى وأمرّ تتجاوز التلاعب ستلحقها.
أما وزير الدعاية السياسية الحربية للنازية، غوبلز، فاشتهر بسياسة “اكذب إلى أن يصدّقك الناس”، أي “سياسة الأخبار هي سلاح الحروب”، وليس غرضها إعطاء المعلومات، بل إشعال الحروب.

نتوقف عند هاتين المقولتين فيما يسمّى في مصطلح الحروب “الهيمنة الإعلامية في أن تبقى قابعا ضمن حدود العدو”، والحرب النفسية هذه ليست حديثة، فقبل غوبلز ولازويل، ذكرت في القرآن الكريم، في أكاذيب كفار قريش، لتهبيط معنويات الخصم “الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ، فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا، وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ”.

وعلى الرغم من أن قطر، وهي ضحية الاتهام والحصار والانتهاك السياسي لسيادتها بقائمة المطالب الـ 13، إلا أن إعلامها لم يسخّر لدعاية حربية قوامها الكذب، بل طالما رفضت قطر دمغ السعودية بصناعة تنظيمي القاعدة وداعش، كما رفضت تعميم كلمة “الإرهاب” (وتعويمها) على غيرها من منتسبي دول العالم الإسلامي دون غيرهم، في أي حادثة تصوير نمطي في الحرب على الإسلام، لوعي قطر وإعلامها أن هذه حروب سياسية، توشحت بغطاء سياسي يناطح “المصطلحات”، من دون تعريفٍ دقيقٍ للإرهاب، حتى يدخل أي عدو جديد في إطارها من دون جُرمٍ يُذكر إلا “المصالح”.

وذلك في الوقت الذي نضح فيه إناء إعلام المحاصرين شرا على محاور ثلاثية الأبعاد، سياسيا واقتصاديا وإعلاميا، في كذبٍ وتأجيج نفسي، وأحادية الطرح بعد حجب الرأي الآخر، بفرض العقوبات والغرامات. وهذا للعلم لم يشمل مواطني دول الحصار فحسب، بموجب غرامات  “يراهنون على التغييب الذهني وغسيل أدمغة شعوبهم بالتعويل على إيقاد الفتن بين الشعوب”
الثلاثة ملايين ريال أو السجن 15 عاما، بل حرم حتى السائحين في بلادهم أيضا من حقهم في الحصول على المعلومة من مشاهدة قنوات الآخر في الفنادق والنزل، مثلما جاء بموجب تعميمٍ من الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني السعودية، نشرته الصحافة في 8 يونيو/ حزيران الماضي، الملحق بمادة 1214 بتاريخ 13 يناير/ كانون الثاني 2011، وقد فرضت غرامة بـ 10 آلاف ريال سعودي (2700$)، إذا ما ضبط أي زائر أو سائح متلبسا بتهمة مشاهدة “الجزيرة” أو أي قناة قطرية.

فوق ذلك كله، اتبعت الدعاية الحربية نشر معلومات كاذبة في حملة تحريضٍ منظمٍ مع قمع الخصم، وإقصاء أدلته وإنكارها، بتعمد تجاهل الحقائق وعدم نشرها. ومن ذلك، يصرّح وزير خارجية أميركا، ريكس تيلرسون، لصالح قطر، إن المطالب غير قابلة للتطبيق، ثم تذيع “العربية” و”سكاي نيوز أبوظبي”، وتنشر الصحف السعودية، عكسه تماما، بتداول يوميٍّ لأخبار مفبركة. نراهن على سرعة اكتشافها في مقولة للشعوب #ابق_الوعي _حيّا، فالإعلام اليوم لم يعد أحاديا، فللمصدرين ثالثُ لا تخشاه “الجزيرة”، بل المرجفون. ومن أمثلة أخرى، نشر وسوم حروب نفسية مبرمجة ضد قطر، قبيل انتهاء المدة والمزمعة اليوم بـ #ساعات_يا_قطر لترويع المواطنين والمقيمين في قطر.

وفي الاقتصاد، يأتي الهجوم على قطر لضرب اقتصادها داخلياً وخارجياً في إشاعات مضللة عن انخفاض قيمة العملة داخليا، وعن حالة التداول خارجيا بادّعاء عدم تعامل مصارف وبنوك دولية معينة بالريال القطري، لهز ثقة المستثمرين في متانة الاقتصاد القطري، وتشويه صموده المتين والملحوظ في وجه الحصار. فضلا عن تكرار استهداف العلاقات الاقتصادية القطرية البريطانية، خصوصاً، كونها تشكل أحد أقوى استثمارات دولة قطر التي تفوق الـ 30 مليار جنيه استرليني، فضلا عن تزامن تصعيد الحملة مع الموسم السياحي فيها.

اقرأ أيضاً :لماذا قاطعت دول الخليج قطر؟ وهل ستتحمّل الحصار؟

اتبعت دول الحصار سياسة “اكذب”. وعلى الجانب الآخر، يراهنون على التغييب الذهني وغسيل أدمغة شعوبهم بالتعويل على إيقاد الفتن بين الشعوب بإذكاء نار مستعرة بينهم على وسائل التواصل، وخصوصا “تويتر”، بؤرة التوتر، خصوصا في ظل التحكم بمنصاته، ببث ما سمي “الذباب الإلكتروني”. ولكن، في تلكم الدعاية الحربية، اختلف القول الفصل، فإليكم المشهد.
اقتصاديا: أذهب، وأنا أقيم في لندن، لأصرف العملة القطرية في المصارف والبنوك عمدا وبكل انسيابية هذه الأيام، فزيارة واحدة فقط تكفي لفضح الدعاية المغرضة من مالكي رؤوس أموال زجّوا فيها نفوذهم المالي، مثل أبوظبي التي تملك نسبة من شركة الصرافة المزمع إيقاف الريال فيها “ترافليكس”. ف #أبق_الوعي_حيا.

إعلاميا: لعل مشاهدي “الجزيرة” في دول قوانين التجريم يذهبون إلى مضاجعهم، ليسترقوا السمع إليها خفية قبيل نومهم. ولكن، لدى كثيرين، بعد شهر رمضان اختلف القول والفصل، لأن ذروة مشاهدة “الجزيرة” تزامنت مع مصايف شعوبهم في ربوع فنادق أوروبا وغيرها من الدول وقت إجازاتهم، فيما انتكس عليهم بمقولةٍ يعرفها أهل الصحراء جيدا “الصيف ضيّعت اللبن”.
شعبياً: يبدو أن لبنهم قد ضاع مرارا، ليس في الارتداد الاقتصادي في عودة “المراعي” “ما الاتهامات التحريضية الممنهجة ضد دولة قطر، بل وضد شعبها بدمغه بـ “بالإرهاب”، إلا انتهاك قانوني سافر و”إرهاب دولة” لن يفلت من عقاب القانون”

و”الروابي” ومردودهم التجاري بخفي حنين مطلع رمضان الماضي، ولا في مشاهدة “الجزيرة” في مصايف أوروبا، بل في الوعي الجمعي فيها بسيادة العلاقات الأخوية على المستوى الشعبي خارج طوق الجبابرة. تأتيكم لندن نموذجا، أجلس مع الأحباء فيها من دول الحصار في أريحية بحتة، لا تخضع ولا تطبق عليهم فيها، أي في دول الحريات التي تشبهها قطر، حماقات عقوبات حصار فرضته دولهم، لم يتعدّ إرهاب الأرض والجغرافيا والغرامات.

تجارياً: أما محاولة تلفيق التهم لضرب الاقتصاد القطري في متاجر هارودز، بعد أن تلبست قناة سعودية رسمية، للأسف، صفة الصبي المراهق بإطلاقها هاشتاغا مضحكا عن “هارودز” باتهامه بالتجسس على الأخوات الثلاث، فإنها محاولات اليائس لثني السياح الخليجيين عنه، فقد رأيت، بأم عيني، الحضور الخليجي الجميل بين زوايا “هارودز” ومقاهيه، خصوصاً وأن هذه الفترة في بريطاينا تعد ذهبية في التسوق في موسم التنزيلات الصيفية، والتي جاءت دعوتها للمستهلكين بالتأكيد، كما جاءتني في “إيميل” مهني، ومعه بطاقة معايدة، أسماه بعض الحمقى “تجسّساً”.

في خضم هذه الحرب على معايير الإعلام نفسه، وقفت منصّات الدفاع عن حرية الإعلام في وجه هذا التزييف تزامنيا، حيث أرسل المركز العالمي للصحافيين (ICFG) في الأسبوع الأخير من يونيو/ حزيران الماضي دعوة عبر البريد الإلكتروني، وصلت إلي نسخةٌ منها، لدعم مبادرة دولية لإطلاق الصحافيين أفكاراً “تدعم نشر الحقيقة ومحاربة الأخبار المفبركة والتزييف”.

اقرأ أيضاً : السعودية والإمارات أوّل المتضررين من مقاطعة قطر: خسائر بالمليارات!

في سابقةٍ فريدة من نوعها، أصبحت وسائل الإعلام المنقادة من أبوظبي، والوسائل السعودية الرسمية ووزارة خارجيتها، لا الأفراد، تتفنن في ابتكار الهاشتاغ العدائي على “تويتر”، وعلى بث المنشورات الدعائية السياسية ضد قطر بكل اللغات، وما الاتهامات التحريضية الممنهجة ضد دولة قطر، بل وضد شعبها بدمغه بـ “بالإرهاب”، إلا انتهاك قانوني سافر و”إرهاب دولة” لن يفلت من عقاب القانون.

وأخيراً، آمل أن تفطن الشعوب في الدول البوليسية إلى حقوقها، قبل أن ينتهي إليهم ما انتهى إليه غوبلز في قوله: “كلما سمعت كلمة مثقف تحسّست مسدسي”.

السابق
حدث أمني خطير يطال مطار «بن غوريون» الاسرائيلي
التالي
الخلافات بين دول الخليج وقطر ليست الا ورقة رابحة لدى إيران