سرديات خنجر الغدر القطري

عندما تتجاوز أي دولة كانت حدود الجغرافيا والإمكانيات والوسائل، فتسعى إلى استيلاد أدوار أكبر منها وترمي إلى استدرار حجم استراتيجي ودبلوماسي مستعص مع مقولة الأفعال في التاريخ، فإذ بعجلة التقهقر تضرب بغير إنذار أو إمهال.

ذاك هو الفرق بين الدولة القوية التي يأتيها التاريخ طواعية بفرط الحقائق والأدوار، وبين الدولة الغنية الريعية في أكثر الأحيان الساعية إلى ركوب مفاصل التمكين دون تأصيل للشروط والمقتضيات.

في المحصلة هو تاريخ الغلبة الذي يستدير اليوم على إمارة قطر في شكل توافق ملحوظ على مقاطعتها وتطويقها إعلاميا وسياسيا واقتصاديا أيضا.

اقرأ أيضاً: ليست سحابة صيف قطرية

المفارقة أنّ قطر التي قادت التحالفات وأبرمت الصداقات وتحرّكت بقوّة ضمن مجال الجمع بين المتناقضات وإطار الرقص فوق الحبال المتحركة، وأدارت الانقلابات السياسية والعسكرية والاقتصادية والإعلامية على ذات حلفاء الأمس، تحصد اليوم بذر ما نثرته في مشهدية العلاقات الدولية من انعدام ثقة وانقطاع أمل من الجار المتاخم للحدود.

هي سرديات الخنجر القطري الغادر من 2006 إلى 2017، تأملته عواصم الخليج مليا في أكثر من دولة وضدّ أكثر من مسؤول سياسي، عانق سادة الدوحة وكاشفهم بأمهات الأسرار وهو لا يعلم أنّهم يخيطون كفنه ويحضرون قبره في الأسحار.

أولى ضحايا الخنجر القطري، الجماهيرية الليبية السابقة التي أبرمت مع الدوحة بروتوكولات تعاون وشراكة على أكثر من صعيد وفتح معمر القذافي أمام العائلة الأميرية كافة مجالات الاستثمار.

وفي خضمّ تعامل القذافي مع أمراء الدوحة، بأخلاق الصحراء ومناقب القبيلة والعشيرة، كانت الدوحة تحضّر للجماهيرية الليبية الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وكانت تمدّ المتمردين الإرهابيين بأعتى أنواع السلاح وتشتري ذمم دول الجوار وتحدّ شفرة ذبح العقيد من الوريد إلى الوريد.

لن نجادل في أحقية الشعب الليبي في كسر ربقة الاستبداد والفساد العائلي، ولكنّ الدوحة فتحت أولى صفحات “سفر التمكين” فقط لدعم الإسلام السياسي ولإسناد الإخوان المسلمين في قبضتهم على العواصم العربية الإسلامية، ولم يكن ملفّ الحريات على الأجندة، كما لم يكن الشعب الليبي المظلوم ضمن قائمة الأولويات القطريّة.

وكما جيء بالقذافي إلى المقصلة القطرية، كانت عقد حبال الإعدام تقدّ للرئيس السوري بشار الأسد الذي صدّق في غمار سنوات 2006 و2007 إمكانية الفوز بحليف إقليمي جديد.

ولولا الفيتو الروسي والصيني والانخراط الإيراني المباشر في المشهدية العسكرية السورية لكانت التمنيات المشبعة بشبقية الدماء لرئيس الوزراء القطري بسحل الأسد في شوارع دمشق قريبة من الواقع.

امير قطر

وفي نفس الحالة أيضا، لم يكن الشعب السوري اللاجئ والمهاجر على رأس المطلبية القطرية، بقدر ما كان تقاطع الرغبات الدفينة بين أردوغان وحمد في استعادة جغرافيا ما قبل لويزان وتسليم المسجد الأموي بتاريخه وحضارته للإخوان، هما عنوان المليارات التي أنفقت على بحيرات الدماء الشامية.

آخر ضحايا الغدر، متمثلة في حركة حماس أو على الأقل الجسم العسكري في الحركة الذي أوعزت له الدوحة بالمغادرة السريعة ومعاودة سنوات التيه بين الجغرافيات العربية المشتعلة.

وعلى الطرف النقيض من كافة الأطروحات السياسية التي تعتبر الدوحة أكبر داعم للمقاومة الفلسطينية، فإنّ الحقيقة كامنة في أن الإسناد المادي واللوجستي المقدّم لحماس لم يتجاوز الهامش الذي تقبله أميركا ولا يغضب إسرائيل ولا يرتضيه شعب يسعى إلى تأمين مقومات المقاومة. والحقيقة الثانية بأنه دعم ملوّن سياسيا وبعناوين حزبية محددة، يأسس للانقسام ويرسمل الشتات.

هي سرديات تضع الدوحة في موقف الاستعصاء، فلا الحضن الخليجي قابل بها كما هي الآن، خنجر سام في أغماد وقحة، ولا حلفاء الأمس مستعدون لتقيّؤ كأس السمّ الذي تجرعوه طيلة سنوات الربيع العربي.

تعرف الدوحة أنّ اتخاذها الخطوة الخليجية المطلوبة التي كشفت عنها مصادر خليجية مطلعة، يعني الانقلاب على سياسة الانقلابات الرسميّة وهو ما لا تقبله. وأنّ اعتمادها خطوة نحو إيران ومحور موسكو دمشق الضاحية الجنوبيّة، يعني إعلان الحرب في الخليج، وهو ما لا تتحمّله الدوحة في ظلّ انكشاف الظهر بعد سنوات الغدر.

قد تكون مأساة قطر اليوم في انعدام البدائل والحلول، وقد تكون ملهاة الدوحة في كثرة “العبر من حالة قطر”.

السابق
داعش طهران… وعلامات الإستفهام!
التالي
الأسد لروحاني: سوريا إلى جانبكم