شفط الوعي أو ضحية «المجتمع السيليكوني»

عن مستشفى نادر صعب.. وجريمة المجتمع!

أنا أيضاً أفكر في إجراء عملية تجميل، لا لعيب خلقي ولا لحاجة، ولكن لأنّ معايير الجمال والجاذبية والأنوثة تحوّلت لبلاستيكية!

فالجمال الطبيعي بكل بساطة لا سوق له، فأن تكوني أنثى، يعني ثقافة النفخ والشفط، والشدّ، وغيرها من المفاهيم التي فرضها علينا الإعلام والنجوم، والإعلانات الترويجية التي حددت قالباً واحداً للجمال أو نقوم باستنساخه أو نتحوّل لشواذ عن القاعدة.

ما نطرحه ليس مبالغة، فقضية فرح الشابة العراقية – الأردنية، ليست قضية عملية تجميل واحدة وخطأ طبي، هي قضية مجتمع يحاكي أفراده هاجس التحوّل إلى المقاييس التي تحددها بشكل تلقائي نماذج محاطة بالبروباغندا والأضواء.

وفاة فرح إثر عملية شفط دهون في مستشفى الدكتور نادر صعب، حدثٌ فتح النقاش والجدل حول عمليات التجميل وتمّ التصويب بالدرجة الأولى على الفنانات اللواتي تحوّلن لأيقونة من الجمال الاصطناعي فتحاول كل أنثى بالتالي أن تكون شبيهة لإحداهن، إلا أنّ عالم الإعلام بالمطلق ليس بعيداً عن لعبة الترويج لهذه النظرة المادية والجسدية، ومع الانتقاد اللاذع الذي ساقته النشرات الإخبارية للعمليات وللاستنساخ إلا أنّها شريكة في الجريمة.

إقرأ أيضاً: نادر صعب ضحية الشريط المقزز: حاكموا العارضة وشريكها!

فالإعلاميات اللبنانيات بشكل عام لم تعد الثقافة هي المؤهل الأوّل لتصدرهن الشاشة، وإنّما الشكل، فالـmtv على سبيل المثال تصلح مذيعاتها بأغلبهن لامتهان عرض الأزياء، وهناك فائض في التركيز على الناحية الجمالية حتى في النشرات الإخبارية التي تستلزم جدية لا إغراء. أما الـlbci فقد استبعدت مؤخراً الإعلامية دوللي غانم مع تراكم الخبرة، ولم تعد شاشتها صالحة الظهور إلا لصاحبات القوام الممشوق.

فرح ضحية عملية التجميل

على مواقع التواصل الاجتماعي، الإعلاميات من أشد منافسي المشاهير في عالمي الغناء والتمثيل، الجمال هو المروج الأوّل للشهرة، ومقارنة بسيطة بين الصور التي لا يتم نشرها إلا بعد خضوعها وصاحبتها لأعلى معايير الدقة وبين تدوينة جدية، نجد أنّ الفارق شاسع، فالوجه الجميل هو الذي يتابع وليس العقل.
إضافة لكونه يقل ويندر، من تتمتع منهن بجمال طبيعي أو تتكل على الطبيعي، فهل هناك إعلامية في وطننا لم تجرِ عملية تجميل؟ أو لم تخضع لـ”بوتوكس”، أو أقلّه لفوتوشوب يخفي العيوب.

إقرأ أيضاً: ويل لأمة نساؤها «سيليكون» ورجالها «فياغرا»!
لبنان الذي يحتل المركز الـ24 في عمليات التجميل عالمياً، والذي تُجري مستشفياته شهرياً ما يزيد عن 120 عملية تجميل جراحية ذات خطورة، تحوّل مقصداً سياحي لا لقرب الجبل على البحر، وإنّما لاستبدال الشكل الحقيقي بقناع!

فرح ضحية الإعلام والصورة النمطية قبل أن تكون ضحية المستشفى، فالدكتور نادر صعب احتفى به الإعلام وحوّله لأيقونة تصنع الجمال ولم تعمد أيّ من الشاشات إلى التساؤل عن المعايير الصحية والوقائية التي تطرح حالياً، إذ تكشّف أنّ المستشفى غير مسجل وانّ الطبيب المعني قد شطب اسمه من نقابة الأطباء منذ العام 2012، فأين كانت وسائلنا  من كل هذه المعطيات وهي تمدح به وبمعاييره العالمية، وبشهرته الواسعة شرقاً وغرباً.
حتى الفيديو الذي روّج له منذ فترة والذي وصف بالتسليع، لم يأخذ إعلامياً وقضائياً ايّ حيّز، فالحاجة إلى البوتوكس والسيليكون تجعل هؤلاء يغضون الطرف عن جسد أنثوي تحوّل لدعاية رخيصة!

لا يهم فالغاية تبرر الوسيلة، والجمال ليس “نادرا” و “صعب”، فالشهرة لا تبنى إلاّ بكل ما هو مثالي، والأنثى التي نراها في الشارع وفي المطبخ، وفي الحقل، وفي العمل، صورة لا بد من أن تمحى وأن تخضع لعملية تجميل!

السابق
قيادي في الحشد الشعبي: وصلنا الحدود السورية وسوف نتقدم حتى الرياض وجدّة!
التالي
الولاء معيار منصب القضاء الجعفري ..ابشروا بالعدل