السيد الخوئي يناقش دكتوراه: دعاوى التأصیل العقدي للعنف الدیني في الإسلام والرد عليها

ناقش السيد جواد محمد تقي أبو القاسم الخوئي، يوم السبت 20/05/2017 رسالة دكتوراه حملت عنوان "دعاوى التأصیل العقدي للعنف الدیني في الإسلام والرد عليها"، وهي عبارة عن دراسة تحليلية نقدية أشرف عليها الأستاذ الدكتور عبد المقصود حامد عبد المقصود، وهذا ملخصها:

بعد أن خضت غمار البحث في أطروحتي هذه المقدمة استكمالاً لمتطلبات الحصول على درجة الدكتوراه في العقيدة والفلسفة من جامعة العلوم الإسلامية العالمية الأردن – عمان، كانت نهاية المطاف إلى ما يلي:

احتوت الرسالة على أربعة فصول، الفصل الأول عالج موضوع عقيدة الجهاد وقتال المخالفين في الإسلام وذلك من خلال مبحثين احتوت على الاتجاه الوسطي في فهم عقيدة الجهاد وقتال المخالفين و الاتجاهات المتشددة في فهم عقيدة الجهاد وقتال المخالفين. والفصل الثاني عالج موضوع أسس التكفير في الإسلام وذلك من خلال مبحثين احتوت على الاتجاه الوسطي في التكفير في الإسلام والاتجاهات المتشددة في مسألة تكفير المخالفين في الإسلام. والفصل الثالث عالج موضوع عقيدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الإسلام من خلال مبحثين احتوت على الاتجاه الوسطي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الإسلام والاتجاهات المتشددة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الإسلام. والفصل الرابع عالج موضوع عقيدة الخلافة في الفكر الإسلامي من خلال مباحث احتوت على الخلافة بالمنظور الوسطي الإسلامي والاتجاهات المتشددة في عقيدة الخلافة في الفكر الإسلامي و التشدد في وجوب خليفة واحد للأمة كلها.

وكان من أبرز نتائج هذه الرسالة ما يلي:

1.      إن ظاهرة العنف والتشدد تضرب بجذورها في التاريخ وفي نفس الوقت يمثلان مشكلة العصر، فالعنف والتشدد كانا ولا يزالان ممارسة بشرية لا ربط لها بدين أو مذهب، وهي حالة طبعية ناتجة من العلاقات الاجتماعية بين البشر، وترتبط بوجود الصراع بين الحق والباطل وبين الخير والشر، وتزداد وتنقص حسب اتساع دائرة العلاقات الإنسانية، والنموذج الواضح لهذا في مجتمعنا الإسلامي هم الخوارج، ولا ينتابني الشك أنه بالرغم من انقراض الخوارج في المجتمع الإسلامي، لكن بقي منهجهم المنحرف الذي يتسم بالتشدد والعنف والتكفير، وإشاعة الفساد في المجتمع الإسلامي بسبب الجهل بالدين وتعاليمه وأحكامه.

2.     إن التكفير والقول بالارتداد يبعد كل البعد عن المسلم الذي يشهد الشهادتين، وعليه فالمخالفة في الرأي والمعتقد لا توجب إطلاقاً تكفيره أو إعلان ارتداده إلا وفق الشروط التي أشرنا إليها في البحث، وبالتبع فحرمته تصان وكل ما يرتبط به، أي نفسه وماله وعرضه لا يحق لأحد كان أن يتعرض له بغير حق نصّت عليه الشريعة الإسلامية السمحاء.

3.     تبيّن من البحث وجود إتفاق واضح بين علماء وفقهاء الشيعة الإمامية والسنّة حول بعض صفات الإمام والخلیفة كالشجاعة وحسن التدبير والنسب القرشي وغيرها، وهناك نقاط اختلاف أساسية ترجع بالأساس إلى اختلافهم في تعريف الإمامة والخلافة، ومنها العصمة والتنصيب من الله.

وأوصت الرسالة في نهايتها:

أولا: من الضروري تنبيه الأمة على أن المنهج الإسلامي هو الوسطية ومن المهم العناية بطباعة ونشر كتب تراثنا الإسلامي التي تدعو إلى الوسطية والاعتدال، فهي ميراث علماء الأمة بشتى مذاهبهم، وكذلك دعوة الباحثين ممن يرومون كتابة الرسائل العلمية في الجامعات الدينية وغيرها إلى تسليط الضوء بشكل أكبر على هذا المنهج المعتدل الوسطي للإسلام من خلال تخصصاتهم المختلفة.

ثانيا: أرجو أن ينتبه الباحثون وأصحاب المنابر الدينية والفكرية إلى أن معظم الخلافات بين الفرق الإسلامية ليست من باب الاختلاف الحقيقي، وإنما مردها إلى الخلاف في سوء الفهم في أغلب الأحيان أو الاختلاف في التفاصيل والجزئيات لتعدد المفاهيم والادراكات والأذواق واختلاف في الفهم ووجهات النظر، وهذا أمر طبيعي يحصل في المذهب الواحد، فلا يوجب التناحر والتفرق والخصومة.

 

الخاتَمة
خاتمة البحث بعد أن انتهيت بأذن الله من الكلام في بحث أطروحتي تبعا لما يسره الله واستطاعتي أصل ألان إلى خاتمة البحث التي تشمل نتائج البحث والتوصيات.

أولا: نتائج البحث:

بعد دراستي فصول هذه الأطروحة ومباحثها اذكر ألان ابرز نتائجها كما يلي:

إن ظاهرة العنف والتشدد تضرب بجذورها في التاريخ وفي نفس الوقت يمثلان مشكلة العصر، فالعنف والتشدد كانا ولا يزالان ممارسة بشرية لاربط لها بدين أو مذهب، وهي حالة طبعية ناتجة من العلاقات الاجتماعية بين البشر، وترتبط بوجود الصراع بين الحق والباطل وبين الخير والشر، وتزداد وتنقص حسب اتساع دائرة العلاقات الإنسانية، والنموذج الواضح لهذا في مجتمعنا الاسلامي هم الخوارج، ولا ينتابني الشك أنه بالرغم من انقراض الخوارج في المجتمع الإسلامي، لكن بقي منهجهم المنحرف الذي يتسم بالتشدد والعنف والتكفير، وإشاعة الفساد في المجتمع الإسلامي بسبب الجهل بالدين وتعاليمه وأحكامه، وقد خرجوا على المنهج الإسلامي الوسطي،  فهم يرتكبون أبشع صور التقتيل والتنكيل لمخالفيهم مطلقا ولا يحتكمون لشيء إلا لفكرهم المتخلف وعقيدتهم البعيدة كل البعد عن عقيدة الإسلام الغراء.
2.      إن الأدلة التي ساقها أدعيّاء التشدد والعنف غير صحيحة لإثبات مدعاهم، فهم بحجج واهية يعارضون المعاهدات والمواثيق التي ارتضاه الناس لتحقيق الأمن والإستقرار بينهم؛ لأنها بحسب نظريتهم تمنع من نشر الإسلام في بلاد الكفر وإقامة حكم الله تعالى؛ ولان هؤلاء يرون أن الإسلام إنما انتشر في العالم بالسيف والجهاد، ينعتون الذين يزعمون أن الإسلام انتشر بالدعوة والحُجَّة والإقناع وأخلاق المسلمين بأنهم مضلِّلون، ويريدون أن يبعدوا المسلمين عن الجهاد، والآثار السيئة لفكرهم المنحرف أدى هذا إلى فساد أفكار ثلة من الشباب المسلم، الذين سلكوا طريق التشدد والعنف وقتل الأبرياء من الناس بحجة كفرهم، بل لا يتورعون عن إلصاق تهمة الكفر على كل مَن يخالفهم من الناس، حتى من المسلمين، بدعوى إنكارهم للضروري.

3.       إن التكفير والقول بالارتداد يبعد كل البعد عن المسلم الذي يشهد الشهادتين، وعليه فالمخالفة في الرأي والمعتقد لا توجب إطلاقاً تكفيره أو إعلان ارتداده إلا وفق الشروط التي أشرنا إليها في البحث، وبالتبع فحرمته تصان وكل ما يرتبط به، أي نفسه وماله وعرضه لا يحق لأحد كان أن يتعرض له بغير حق نصّت عليه الشريعة الإسلامية السمحاء.

4.     إنّ مسألة التكفير من المسائل الخطيرة التی ابتليت بها الأمة الإسلامية، كما أعتقد أنها من أخطر البدع التي ظهرت، فكانت عاملاً مؤثراً في تأكيد الفرقة والاختلاف بين المسلمين، من خلال إلقاء التهم، فأعانت علی إيجاد العداوة بينهم، والاقتتال وتكفيرهم بعضهم لبعض باسم الإسلام ومنهج السلف الصالح، والأفكار التكفيرية لم تنقرض بانقراض الفرق والطوائف التي كانت تحمل المنهج الإفراطي في تكفير المخالفين، ولكنها منتشرة في كثير من الجماعات والمذاهب الدينية المعاصرة التي ما زالت تتبنی نفس المنهج والفكر التكفيري، وإن ممارساتها اليوم هي أكثر وأشد عنفاً في منطقتنا العربية والإسلامية، وهذا ما يدمي القلوب ويؤلم الأنفس.

إقرأ أيضاً: لا أعتقد بالوحدة الاسلامية..

5.    تبيّن من البحث وجود إتفاق واضح بين علماء وفقهاء الشيعة الإمامية والسنّة حول بعض صفات الإمام والخلیفة كالشجاعة وحسن التدبير والنسب القرشي وغيرها، وهناك نقاط اختلاف أساسية ترجع بالأساس إلى اختلافهم في تعريف الإمامة والخلافة، ومنها العصمة والتنصيب من الله.

6.     إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة إلهية، ومن أهم الفرائض التي ترتبط بحياة المجتمع عامة، ومن خلال تطبيقها بشكل سليم وصحيح يكون لها آثار غاية في الأهمية لصلاح وسلامة الأمة والمجتمع الإسلامي، وفي حالة إهمالها أو الغفلة عنها يكون لها تبعات وخيمة ومدمرة على المجتمع، وهذا ما أشارت إليه النصوص الدينية من الكتاب والسنّة الشريفة، وهذا ما أكد عليه العلماء في كتبهم، وقد أجمع فقهاء الفرق الإسلامية كافة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن اختلفوا في كون هذا الأمر واجبا عينيّاً أو كفائيّاً، وذكروا له مراتب وشروط كثيرة لضبطه وعدم تخطي حدوده التي أمرنا الشارع  به، وعدم إتباع الهوى والجهل في تطبيقه مما يستلزم ضياع أثره أو ضرر كبير على الأفراد والمجتمع.

7.      أتضح فساد القول بضرورة تطبيق فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خلال شدة السلوكيات البشعة لجماعات العنف في حمل السلاح والخروج على الحكام بالقوة، بدعوى أن هذا واجب ديني وفريضة شرعية وتطبيقاً لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والآثار المخربة والسيئة على استقرار المجتمع الإسلامي وسلامة الأرواح والأموال والأعراض، وفتح أبواب فتن وفتوق يصعب رتقها، إن لم نقل باستحالتها.

8.    إن القول بعدم الخروج على الحاكم الجائر وتعطيل المصلحة المتحققة من خلعه مبني على  سد الذرائع، للمفسدة المترتبة على خلع الحاكم الظالم والمتمثلة  في الفوضى الناشئة عن هذا، وإن تطبيق فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باليد وعزل الحاكم الجائر والخروج عليه بالسلاح مسألة غاية في التعقيد لما يترتب عليها آثار جليلة وخطيرة تصيب الأمة، لذا ينبغي ربط قضية الخروج على الحاكم بتحقيق مصلحة شرعية مرجوة من ذلك، فلا ينبغي النظر إلى عملية الخروج نظرة مجردة عما يترتب على ذلك من تداعيات وآثار، سواء أكانت مصالح أم مفاسد، فلا بد أن يخضع الأمر لعملية الموازنة بين المصالح والمفاسد في أي عملية خروج على الحاكم الظالم الجائر، وفيما إذا تعارضت المصالح والمفاسد والحسنات والسيئات أو تزاحمت فإنه يجب ترجيح الراجح منها فيما إذا تعارضت المصالح والمفاسد، فإن الأمر والنهي وإن كان متضمنا لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة فينظر في المعارض له فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر لم يكن مأمورا به; بل يكون محرما إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته. وبالتالي الحكم بالمنع والإيجاب حسب المصلحة التي قد تتحقق من ذلك، ولكن لا يخفى أن ما شاهدناه خلال التاريخ الإسلامي القديم والمعاصر يدّل بوضوح غالبًا على أن المفسدة المترتبة على الخروج أكبر من المفسدة على بقاء الحاكم، هذا كله وفق مذهب أهل السنّة والجماعة، وأما على مذهب الإمامية فالخروج على الحاكم كما ذكرت ذلك في تضاعيف البحث في عصر الغيبة، فالروايات الواردة وفتاوى الفقهاء تمنع ذلك.

إقرأ أيضاً: تنوّع ديني في «دور الشباب في الحوار الاسلامي المسيحي»

9.     إن القول المتشدد بوجوب خليفة واحد للأمة كلها في عالمنا المعاصر وان كانت له بعض دلائله الفكرية إلا أنه يصعب تطبيقه في الوقت الحاضر، نظراً لعدم توفر المقومات لتحقق هذا الأمر، ومن جهة العذر والاضطرار يجوز إقامة حكومة في كل بلد وقطر وفقاً لظروفه الخاصة، وعلى الحكومة في ظل مثل هذا الوضع أن تطبق الشرع الإسلامي في حكمها، وان يكون قانونها هو الإسلام وتعاليمه وتشريعاته، وان تحترم الحدود الجغرافية وتنظيم علاقاتها مع سائر الدول بما ينسجم مع الأعراف الدولية، وبالخصوص الحكومات القائمة في البلدان الإسلامية الأخرى، والعمل على توحيد الأمة بالتعاون والتنسيق فيما بين هذه الحكومات في القضايا العامة إلى الهدف المنشود وهو إقامة الحكومة الإسلامية التي تبسط حكمها على البلاد كافة لتحقيق العدالة الإسلامية المنشودة.

 

السابق
صحيفة «الجمهورية» تتخلى عن «علي الحسيني» بمواجهة الطغيان السياسي
التالي
ضاحي خلفان مغرداً: قناة الجزيرة تسوّق لحزب الله والحرس الثوري