زعامة الجنوب من «البيك» إلى «الأستاذ»

هذه مقتطفات – وبشيء من التصرّف – من مقال نشر في جريدة "الحياة" تحت العنوان نفسه في 18 تشرين الثاني 1992.

كان من نتائج الانتخابات النيابية لعام 1992 في جنوب لبنان، أن وجّهت ضربة قاضية للزعامة التقليدية المتمثلة بالرئيس كامل الأسعد، بحيث آلت سدّتها إلى المحامي نبيه بري، كزعيم للجنوب دون منازع، وذلك بعدما سبق هذه الانتخابات عوامل عدة، عملت على صعود نجم زعامة بري وتقويض مقوّمات زعامة الرئيس كامل الأسعد، الذي اضطر – وبفعل هذه العوامل – إلى إخلاء موقعه في الجنوب، ولجوئه للسكن، إلى شرق بيروت، لفترة طويلة، بعيداً من الساحة الجنوبية، سياسياً واجتماعياً، والتي كان يتعامل مع أهلها، أصلاً، بكثير من الفوقية والتعالي والانقطاع…

اقرأ أيضاً: مرشحو صور يروون تجربتهم: انتهاكات وقمع واتهامات بالعمالة وتفجير فان

وظلّت العودة إلى الجنوب، محظورة عليه حتى باتت الحاجة ماسة إلى مشاركته في العملية الانتخابية لعام 1992 لإظهار وجهها الديمقراطي، فتأمّن حضوره الشخصي إلى دارته في النبطية (كفرتبنيت)، واستطاع تجميع أنصاره في مهرجان بلغ الحضور فيه ثلاثين ألفاً، غير ان عوائق إضافية أطلقت ضدّ إمكان استعادة كتلته الشعبية، وباءت محاولات أنصاره في تنظيم الجولات الانتخابية بالفشل. وحالت أساليب الترهيب والتصدي بالنار من دون وصول مواكبه إلى القرى والبلدات (الجنوبية)، ولم يتمكن حلفاؤه في لائحة “إرادة الشعب” من تعليق الصور واليافطات أو من أشكال الدعاية الجماهيرية. واقتصرت المواكب الاحتفالية الحاشدة على “لائحة التحرير” برئاسة بري، ما جعل الساحة الجنوبية حافلة بقطوس الزعامة في خدمة “الأستاذ”.
و”لائحة التحرير” كان الإسم الذي اختاره نبيه بري للفريق الذي تحالف معه، في المعركة الانتخابية، وقد ضم نخبة من ورثة السياسيين التقليديين المناوئين، تاريخياً،للأسعد، ومن متمولين جنوبيين أنفقوا، بيسر على مستلزمات الحملة الانتخابية، ومن حزبيين حلفاء لدمشق، ووجوه مسيحية غير معروفة بالولاء الحزبي الطائفي، مما أعطى اللائحة زخماً كبيراً، ومكّنها من الحضور المباشر والقوي والشامل، على مستوى الجنوب كمحافظة، ومن الإمساك بالهيئة الانتخابية، أقلام اقتراع، ولجان قيد عليا.

شؤون جنوبية
وبين هذا وذاك تحرّكت ماكينة انتخابية منظمة، أشرفت على التمويل والتّموين والنقل والدعاية والإعلام، ما أتاح لها السيطرة شبه المطلقة، على أجواء الجنوب الانتخابية، وتوجيهها ضد “عملاء الاحتلال موقّعي اتفاق 17 أيار الخياني”، ولصالح “رواد التحرير والتنمية والإعمار”، فيما لم يستطع كامل الأسعد توفير ماكينة انتخابية تغطي المستلزمات عينها، وبحدود دنيا. وهو تعاطى باستخفاف مع الجنوبيين مرة أخرى، حين شكّل لائحة من وجوه معظمها غير معروف، فلم يضيفوا إلى قوته الانتخابية شيئاً، دارجاً في ذلك على سوابق والده في الخمسينات، معتمداً على ما وعد به من فتح المعابر لناخبي الشريط المحتل، فيعدّل بهم النتيجة المرتقبة.

اقرأ أيضاً: هكذا حاربت الثنائية الشيعية المرشحين المستقلين في انتخابات 2005

لكن ذلك لم يحصل. وجنى “البيك” بفضل قصوره عن مجاراة التبدّلات في الواقع السياسي والاجتماعي 33638 صوتاً مقابل 118827 صوتاً لخصمه اللدود نبيه بري.
هكذا تمكّن الأخير، من التربّع، لاحقاً، على سدّة الرئاسة الثانية في مجلس النوّاب…

(هذه المادّة نشرت في مجلة “شؤون جنوبية” – العدد 163 – ربيع 2017)

السابق
التلفزيون الإيراني يعلن رسمياً فوز الرئيس حسن روحاني بولاية رئاسية ثانية
التالي
المستقبل يدعم التيار الحر: لا للنسبية مع دائرة واحدة