عيناي مشرقتان لأني أرى بهما الآخرين

قرأت أن في تكوين الأنثى هرمونات ذكرية وفي تكوين الذكر هرمونات أنثوية. فوقعت بصيرتي على سر من أسرار الجمال، وإلا فإن الأنثى من دون هذه الهرمونات الذكرية تصبح رماداً، لا حيوية ولا حراك في دمها وروحها وذهنها، والذكر من دون هذه الهرمونات الأنثوية ماذا يكون؟ إذنأن يكون أقرب إلى الحجر من دون أن يكون فيه احتمال مياه تتفجر ينابيع عندما تطاله عصا الحب بضربات أليفة مغرية توقظ فيه إرادة الحياة التي لا تكون إلا ثمرة من ثمرات الودّ والمحبة. أليس هذا مفتاحاّ ذهبياً لقراءة الآية الكريمة على نصاب الاختلاف والائتلاف {ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة}، وتبلغ اللغة العربية ذروة شفافيتها الدلالية المطابقة للمناسبات الذاتية بين اللفظ والمعنى والمستويات المتعددة في المعنى الواحد، عندما تقرأ فيها أن الزوج “هو المثل”يوم نحشر الذين كفروا وأزواجهم” أي أمثالهم لأنه لا مسوغ لحشر الذين كفروا أو اللواتي كفرن مع زوجاتهم أو أزواجهن لأنه لا تزروازرة وزر أخرى.

اقرأ أيضاً: سؤال صعب عن الجبة والحب

وأنتقل من الإنسان إلى الكون على مقتضى التوحيد الذي يأتي من السماء إلى معادله الأرضي، فيكون توحيد الخالق ارتقاء بمسيرة التوحيد ولوحته إلى المطلق الذي يجاور ويقارب القمة من الخط البياني ولا يماهيه ولكنه يستدعيه “عبدي أطعني تكن مثلي”، {يا أيها الانسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه}. إذن فالتوحيد في الغيب له تجلياته في المشهد الكوني من أقصاه إلى أقصاه، ومن سطوحه إلى أعماقه، وهو ليكون توحيداً.. وفي المشهد لا بد أن يشتغل على المتعدد، على المختلف، وإلا ضاع معناه.. إذن فالواحد المتوحد لا بد أن يكون مركبة من مكوناته “مكونات مخالفة”.. ومن هنا يأتي الجمال والإغراء والشوق والحب والانسجام.
كيف يكون الهواء، هواء ولذيذاً وسبباً من أسباب الحياة إن لم يكن مركباً؟ وكيف يكون الماء لذيذاً، وعذباً وأصلاً للحياة ومنه كل شيء حي، لو لم يكن مركباً ؟ وكيف يكون الحب حباً والولد ولداً جميلاً إن لم يكن مركباً مما يخرج من بين الصلب والترائب ؟ البساطة جميلة جداً وآسرة، ولكنها بساطة التركيب وإلا صارت البساطة سطحية وسذاجة خاماً.. لا معرف لها ولا محدد ولا معين ولا تعين ولا حراك ولا حيوية ولا.. ولا وجود.. تصبح فرضية غير قابلة للتحقق محالاً.

عيد الحب
أليس هذا إلزاماً لنا، بمقتضى النظام الكوني على موجب التوحيد والوحدة أن نرى ولا نماري فيما نرى، أن التعدد شرط الوحدة والتوحيد، وأن إلغاءه، وهو لا يلغى من الواقع، ويلغى من الوعي الناقص، هو إلغاء للوحدة والتوحيد؟
إذن فأنا فيك وأنت فيّ، أنا شرطك وأنت شرطي، ذاتاً ووجوداً وحضوراً ومعرفة بالذات، ومن دونك ومن دوني، لا وعي لذاتك بذاتك ولا وجود ولا حياة ولا حركة ولا نهوض ولا عبادة ولا سمو ولا شوق ولا سعادة.
أما إنك على باطل، فأنا لست على حق دائماً.. وأما إنك لست كاملاً، فإني لست كاملاً، كمالي وكمالك نسبيان، رهن بالإقامة وعياً وحياة في المشترك بيننا.. في المشترك الذي وضعه الله فينا، وقال احرسوه لتحرسوا ذواتكم فيه.

اقرأ أيضاً: أنا وزوجتي والغياب واللغة

أنت كما أنت وأنا كما أنا.. ثم ننتج معرفة وتعارفاً وتثاقفاً حتى يكاد يلتبس كل منا بالآخر من دون أن يكونه.. ويصبح الالتباس جمالاً ومصدراً لجماليات الحياة والمعرفة، وإلا فإن أردتك كما أريد، أو كما أنا، فقد ألغيتك، وضيعت ذاتي، وإذن فما علي إلا أن أخرج من أبي وأمي وولدي وأخي وأختي فضلاً عن زوجتي وأهل جماعتي وديني ومذهبي الديني أو السياسي أو الفكري، لأكون أنا.. متجافياً عن التسوية الدائمة.. إذن فلا أكون.
حسناً فعل بعض المتفلسفين من المسلمين عندما كانوا يرون الكثرة في عين الوحدة والوحدة في عين الكثرة.. فهل لنا إلى عودة إلى منهجية التوحيد على نصاب التعدد من سبيل لنحيا ونبدع.. لنبقى!!

(من كتاب في وصف الحب والحرب)

السابق
كيف هي حالة «غوار الطوشة» بعد رحيل «فطوم» ؟
التالي
من هو الدركي الذي لقي حتفه في سوريا؟