المجلس الشيعي يفقد مهابته وقوة تمثيله للطائفة

في التطورات الأخيرة التي أحاطت بانتخابات المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى يلفت النظر كثير من الأمور ذات العلاقة بهذه المؤسسة التي هي جزء من مؤسسات الدولة الطائفية في لبنان، وإذا كانت وجهة نظرنا التي طرحناها أكثر من مرة، بل مراراً، بشأن هذه المؤسسات الطائفية، وضرورة تجاوزها، بل إلغائها، لأنها شكّلت وتُشكّل أساساً لاستمرار النظام الطائفي الذي ما زال الكثير من المواطنين يدافعون عنه وعن صيغته الطائفية، فنحن نرى أن هناك عجزاً فعلياً عن تجاوز هذا النظام السياسي الطائفي، بدليل أن أرباب هذا النظام نفسه يطلقون خطاباً معادياً للنظام الطائفي، وينسبون إليه العجز والوهن عن تحويل لبنان إلى دولة سياسية تحمل سِمة المواطنة، ولكنّ العجز عن تجاوز هذا النظام لا يكون بنظرنا إلا بنسف الأركان التي يستند إليها، أما والأمر  ما زال على هذا النحو- وسيستمر إلى فترة على الأقل – فإنه ينبغي لهذه المجالس الطائفية أن تكون ممثلةً لطوائفها تمثيلاً صحيحاً وعادلاً.

من المعلوم أن هذه المجالس لا تعيّن، ولكنها تنتخب من هيئات واسعة أو ضيقة من قبل طوائفها، ويتميّز المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى بأن نظامه يتضمن ضرورة مشاركة هيئة واسعة من نخب الطائفة المدنية والدينية، أصبحت تعدّ بالآلاف، إن لم يكن أكثر.
كما أنه من المعروف أن هذا المجلس لم يُجرِ عملية انتخاب من قبل هيئته العامة، وأصبح الفراغ يملأ بالتعيين منذ أكثر من أربعين عاماً. والمفترض أن يكون الإنتخاب كل ستة أعوام، وقد زالت جميع الموانع التي تحول دون انتخاب هيئات جديدة لهذا المجلس إلى أن فوجئنا الآن، وبعد هذه المدة الطويلة، وبعد أن جرت انتخابات كثيرة لهيئات سياسية ودينية في لبنان، فوجئنا أن المجلس يمدد لنفسه، ويعيّن عدداً  غير قليل، سواء لرئاسته أو لأعضائه الشرعيين والتنفيذيين !

إقرأ أيضاً: ختاماً لمقالات «إصلاحاً للخلل القانوني في المجلس الشيعي»، و ما قبلها و بعدها

هذا كلام قد يطول البحث فيه، ولكننا نود أن نركّز على نقطة واحدة، وهي أن مراكز القوى القائمة في الطائفة هي من القوة بدرجة لا نعتقد أنها ستخسر الإنتخابات إذا جرت، بل الأرجح ضمن الموازين القائمة أنها ستربح هذه الإنتخابات، ونحن نرى أن هذه المراكز أخطأت كثيراً بالأخذ بخيار التعيين لأنها بذلك ألغت شرعية هذا المجلس، ولو أنها لجأت لخيار الإنتخاب لربحت خيار شرعية المجلس، وكذلك لربحت هيبة وفاعلية هذا المجلس المنتخب، ولكن مراكز القوى هذه ربما تكون ملتفتة ومدركة لهذا الأمر، ولكنها لجأت إليه لتجعل منه سابقة يتم اللجوء إليها كلما أرادت أن تعدّل أو تغيّر أو تعيّن أعضاء جدداً.
ونحن لا نتمسّك بأن تكون هذه البادرة تمرّ مروراً عابراً، بل نتوجّه إلى مراكز القوى هذه، وهي حزب الله وحركة أمل، ونقول لهم: حافظوا على هيبة المجلس، ونحن نقبل انتخابات تأتون أنتم فيها، فمجيئكم وعضويتكم واحتلالكم لمراكز المجلس سوف نقبل بها، ونرحب كل الترحيب، لعلمنا أن أي مجلس منتخب انتخاباً شرعياً سوف يكون أقوى وأكثر تمثيلاً لطائفة أنتم بحاجة سياسية أن يكون لها مجلس محترم، ويمثل الطائفة تمثيلاً شرعياً، وسوف تخسرون عندما يفقد هذا المجلس شرعيته أي مهابته وقوة تمثيله للطائفة.

إقرأ أيضاً: «الشراع» تفتح ملف المحكمة الجعفرية بعد المجلس الشيعي

لا يريد أحد أن ينزع قوة تمثيلكم وحجم ما تمثلون، ولكن يريد الجميع أن تكونوا في الموقع الأكثر اتصالاً بالطائفة ونخبها ومكوّناتها.
في خاتمة هذه الكلمة أذكّر بأن المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى قد تجسّد بإرادتين، إحداهما إرادة النخب الشيعية التي كانت تفتقر إلى حاضنة طائفية كما كانت نخب الطوائف الأخرى، وبإرادة شخصية قيادية فذّة، هي شخصية الإمام السيد موسى الصدر، وكل الأدبيات التي طرحها الإمام الصدر وأدخلها في مفاصل القوانين وتنظيمات المجلس تدل على أنه أراد من هذا المجلس أن يشكل الحاضنة الشاملة للطائفة الشيعية، وأن يشكل مرجعيتها دون تمييز بين فئة وأخرى، أو حزب وآخر، فهل يا ترى نحن أمام مثل هذا المجلس الذي يكاد يكون مستباحاً في قوانينه ونظمه و حجم تمثيله.. وهي أمور أشار لها عدد من علماء ومثقفي الطائفة بالإعتراض عليها، ولكن أحداً – ممن يعتبرون أنفسهم مسؤولين – لم يسمع ولم ينبس ببنت شفة، ومع ذلك فإننا نرى أن إمكانية العودة عن الخطأ ما زالت ممكنة، وهذا ما نأمله ممن بيده الأمر، كما نأمله من الجهات الرسمية التي يعتبر المجلس الشيعي مؤسسة من مؤسسات الدولة الرسمية، وينبغي أن يخضع لقوانينها.

السابق
أميركا تبدأ بحصار نفوذ إيران في سوريا والهدف: حزب الله!
التالي
وزارة الخارجية السورية: ترامب نعت الأسد بصفاته!