بعد «توماهوك»… هل يلتقط بوتين الفرصة؟

نديم قطيش

بتسعة وخمسين صاروخ توماهوك، غيرت إدارة الرئيس دونالد ترمب توازن القوى، أو التصورات عنها في الشرق الأوسط. تصرف ترمب، كما ينبغي لرئيس أقوى دولة في العالم أن يفعل. اللافت ليس هو، بل إن هذا الرئيس غاب لثماني سنوات عن المسرح الدولي، مما سمح لروسيا أن تتمادى في تدخلها، وسمح لأوهام العظمة الإيرانية أن تستمتع بظلها الهائل في لحظة غروب أميركية طارئة، ظنته إيران غروباً لا شروق بعده لأميركا.

اقرأ أيضاً: «توماهوك».. كش ملك

لم تتعطل قاعدة مطار الشعيرات فقط جراء الضربة الأميركية فجر يوم الجمعة الماضي، بل تبددت أوهام قوة محور إيران، التي بدت عاجزة أمام صواريخ التوماهوك، كما أمام الانتشار الميداني الأميركي في سوريا، حيث بات لواشنطن تسع قواعد أميركية بينها أربعة مطارات، وواحد منها قادر على استقبال طائرات مدنية! وتبددت أيضاً الأوهام الروسية نتيجة اهتزاز ثقة موسكو بأن في مقدورها التمادي باللعب على عنصر الغياب الأميركي.
في المقابل، حافظ ترمب على زخم الضربة عبر مواقفه ومواقف أركان إدارته. وزير دفاعه جيمس ماتيس كان جازماً حيال الأثمان التي سيدفعها بشار الأسد نتيجة حماقة خان شيخون وضربها بغاز السارين. ووزير خارجيته ريكس تيلرسون استبق لقاءاته في موسكو مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، بتصريحات شديدة حيال الأسد وحيال موقف موسكو منه. وعلى الرغم من الخطل الإعلامي الروسي على لسان الناطق باسم الكرملين أنه «لا اجتماع لتيلرسون على جدول مواعيد الرئيس.
(بوتين)»، التقى بوتين وزير الخارجية الأميركي في أول زيارة له إلى روسيا، في إشارة واضحة إلى إدراك موسكو لحقائق القوة والتوازن مع الإدارة الأميركية الجديدة.
ماذا بعد؟
لندع إيران جانباً. فالعلاقات معها مرشحة للمزيد من التأزم، أكان في سوريا حيث الانتشار العسكري الأميركي براً والاستعداد الحربي عبر الطائرات والصواريخ، أو في العراق حيث يشهد هذا البلد هجوماً دبلوماسياً عربياً، كما يشهد اهتزازات عميقة في الموقف الشيعي من أزمات المنطقة، كما عبر عن ذلك موقف للسيد مقتدى الصدر دعا فيه الأسد للتنحي، أو في لبنان حيث تتهيأ واشنطن لحزمة عقوبات جديدة قاسية على حزب الله ومرتبطين به.
يختلف الواقع مع روسيا. وزير الدفاع الأميركي وفي مؤتمر صحافي بعد ضربة «التوماهوك» أكد أن الاختلافات بين الولايات المتحدة وروسيا حول سوريا لن تخرج عن السيطرة، وهو تصريح حرص الإعلام الروسي على إبرازه. وكان لإبلاغ واشنطن موسكو بالضربة، بطريقة لا تزال غامضة وموضع جدل أميركياً، هدفه لهذه الناحية تحديداً، وهو تفادي ما من شأنه إخراج العلاقة عن سكة السيطرة.
من المبكر القفز من تعيين هذه الفوارق في التموضع بين روسيا وإيران حيال أميركا، للاستنتاج أن إمكانية الفصل بينهما متاحة أو سهلة. فرصيد المحاولات السابقة في هذا السياق لا تشجع على التفاؤل، وإن كانت تمتلك هذه المرة فرصاً أكبر. فالخط العام للموقف الأميركي لا يزال يتقاطع مع مصالح موسكو في سوريا، وهو يقوم على نقطتين؛ أولاً أن أميركا لا تريد تغيير النظام في سوريا بالقوة وبمعزل عن عملية سياسية. وثانياً، أن أولوية واشنطن لا تزال محاربة «داعش» وهزيمتها.
بالنسبة لروسيا هناك ثلاث مصالح عملانية في سوريا، إضافة إلى المصلحة التاريخية والثابتة بالوجود على المتوسط.
1 – بات مصير الهيبة الروسية ورأسمالها المعنوي مرتبطاً بما سيخلص إليه المشهد في سوريا، وهي لن تتسامح مع جعلها شريكاً هامشياً أو تابعاً في تقرير المشهد النهائي. صحيح أن هذا الهدف يقرب بين طهران وموسكو، لكن لا ينبغي الخلط بين مصير الأزمة السورية ومصير الأسد، الذي يمكن لموسكو التخلي عنه في توقيت يناسبها، وهو ما تدركه واشنطن وأحسب أنها ستستثمر فيه.
2 – محاربة «داعش» في سوريا وإطالة أمد المعركة معها يمنع انتقال المعركة إلى داخل الحدود الروسية.
3 – وهي مصلحة متفرعة عن المصلحة الثانية، وتتمثل في أن الميليشيات الشيعية التي تديرها إيران تشكل عنصراً تكاملياً مع القوة الجوية والصاروخية والاستخباراتية الروسية، لمحاربة «داعش» و«النصرة»، تعويضاً عن غياب الانتشار البري الروسي في سوريا.
في المصالح الثلاث، يمكن لواشنطن أن تلعب دوراً جدياً، بديلاً عن الدور الإيراني، لا سيما إذا أُحسنت إدارة معركة الرقة التي ستشكل ضربة قاصمة لتنظيم «داعش». فلا مصالح أميركية في سوريا تتعارض جدياً مع مصالح موسكو، ولا مصالح عربية استراتيجية لا يمكن التفاهم عليها وتربيطها بالمصالح الروسية.
يقول الدكتور والي نصر في مقالة نشرها مؤخراً، إن تخلي روسيا عن سوريا يتطلب أن تحصل موسكو على جائزة أكبر من سوريا. هذه محاججة صحيحة لو أن المطلوب من موسكو رمي استثماراتها الاستراتيجية في سوريا، والمغادرة، لكن ليس هذا هو إطار الحل في سوريا.
ليس غريباً أن يختار بوتين الاستمرار في سياسة الابتزاز عبر إطالة أمد الأزمة سورياً للحصول على مكتسبات استراتيجية لموسكو في أماكن أخرى. لكنه بعد «التوماهوك» بات يدرك أن ثمن هذه السياسة هو التلاعب الجدي بكل ما بناه، وأوله هيبة روسيا.

السابق
سمير فرنجية كما عرفته…
التالي
من «انجازات» النظام السوري في اربعين سنة