قمة بل جامعة ميتة

ماجد عزام

لم أتفاجأ شخصياً من النتائج الهزيلة اللغوية والكلامية للقمة العربية، التي عقدت في الأردن على ضفاف البحر الميت الأسبوع الماضي، النتائج المتوقعة وغير المفاجئة، أتت من التشخيص الصحيح والواقعي لحال الجامعة ككل، كما لمجريات القمة نفسها وطبيعة التوازنات والتفاهمات التي شهدتها من أجل الوصول إلى بر الأمان، بغض النظر عن الجوهر أو المضمونُ.

اقرأ أيضاً: بالفيديو.. رؤساء غلبهم النوم في القمة العربية

بداية نحن أمام جامعة عربية قديمة متقادمة متهالكة، وليس تلك الأصيلة التي تم تأسيسها قبل عقود من قبل أنظمة مدنية ديمقراطية في معظمها، بغرض أن تكون إطارا جامعا موحدا ومنفتحا للأمة العربية، ثم حصلت الانقلابات العسكرية وسيطرة الاستبداد على العالم العربي كله تقريبا، تحديدا حواضره الكبرى التاريخية في القاهرة و دمشق وبغداد، الاستبداد الذي فشل في لم جمع شمل العرب، فشل على المستوى القطري أيضا، في بناء دول ناهضة قوية ناجحة وانعكس الفشل طبعا، على مناحي الحياة المختلفة في الصحة والتعليم و الاقتصاد والرفاه الاجتماعي، وكلما زاد معدل الفشل زاد استبداد الأنظمة وتغولها على الناس والمؤسسات، والنتيجة أننا بتنا أمام دول فاشلة فشلت في امتحانات الخبز والحرية والكرامة، وطبعا امتحان فلسطين وكانت الجامعة العربية هي التعبير الصارخ أو حاصل الجمع العام والقومي للفشل على المستوى الوطني القطري الضيقِ.

اندلعت الثورات العربية لإسقاط الأنظمة الفاشلة والمستبدة، ولإطلاق مسيرة بناء الدولة المدنية الديمقراطية الناهضة لكل مواطنيها، وانعكس هذا جزئياً على الجامعة العربية في سنوات 2011 -2013، مع وجود شخص نزيه غير متورط بالفساد أو بالأنظمة الفاشلة مثل القاضي نبيل العربي، وبتنا أمام جامعة جديدة مختلفة نسبيا، إلا أن انتكاسة الثورات ونجاح الثورات المضادة وتمكن الفلول أدى إلى انتكاسة في مسيرة إصلاح الجامعة العربية، وهكذا عادت الجامعة إلى مرحلة ما قبل الثورات، حيث أنظمة تدافع عن مصالحها الضيقة، وتسعى لإفشال وإجهاض الثورات بكل الوسائل، ولم يكن شيء معبر عن هذا الواقع أكثر من اختيار وزير خارجية نظام مبارك لأمانة العامة للجامعة، وكانت مصر عانت آنذاك في عهد مبارك ووزير خارجيته من فقدان للوعي السياسي وغيبوبة دبلوماسية، امتدت إلى العديد من الدول العربية المركزية والمهمة مثل العراق السودان والصومال، والتي يفترض أن أمنها من أمن مصر والعكس صحيح طبعاً.

إذن تلك التي انعقدت في البحر الميت، هي الجامعة العربية القديمة، جامعة الفلول والثورات المضادة جامعة الفشل و العجز والوهن، ولذلك لم يكن غريباً أن لا تخرج بنتائج جدية، تحديداً فيما يتعلق بالثورة والقضية السورية، والتهرب من اتخاذ موقف واضع وصريح وعادل، ناهيك عن الكلام الإنشائي الممل تجاه القضية الفلسطينية، كما القضايا العربية الأخرى، مع لغة قوية فقط تجاه الإرهاب دون تعريف واضح دقيق أو حتى تشخيص للبيئة الاستبدادية القمعية الحاضنة له.

كان الهم الأساس للمجتمعين الخروج دون مشاكل أو خلافات، وإنهاء اليوم على خير بصورة خادعة عن الجامعة، لإلهاء أو حتى الكذب على الشعوب، ولم يجرى نقاش جدي لأي من القضايا والتحديات العربية الراهنة، والبيان الختامي كان عمل وجهد الدولة المستضيفة بتنسيق تام مع الأمين العام وإطلالة مصرية ما، واستنكاف أو عزوف سعودي رغم أن الرياض هي التي تتحمل مسؤولية مواجهة الواقع العربي الراهن، في ظل الحالة المنهارة للعواصم التاريخية الكبرى الثلاث القاهرة و دمشق و بغداد، مع العلم أن اثنتين منها محتلتان من قبل إيران وغزاة آخرين، بينما القاهرة تبدو مستنزفة مرهقة وباتت تقريبا عاصمة الثورة المضادة والفلول في العالم العربي.

سورياً جرى الحديث عن دعم الحل السياسي ومساري الأستانة وجنيف، كما عن دعم اللاجئين السوريين، أي حديث من قبل الرياض الدوحة أو الخرطوم عن رحيل نظام أو بقايا عصابة المسلخ البشري بوصفها البيئة الحاضنة لداعش والقاعدة , وبوصفها المسؤولة عن قتل مليون مواطن وتشريد نصف الشعب وتدمير نصف البلاد تقريبا، كان سيصطدم حتما ويثير خلافات مع استنساخات العصابة وحلفائها في دول وعواصم عربية أخرى، وأي حديث عن الميليشيات الطائفية المذهبية والحشود الشعبية من شذاذ الأفاق، كان سيصطدم بوكلاء الإمبراطورية الفارسية في بغداد وبيروت، علماً أن الجامعة العربية لو كانت في حال عفية قوية شفافة نزيهة وديمقراطية، ما كانت أصلا لتسمح لهؤلاء بالتواجد أو المشاركة في القمة ونقاشاتهاً .

فهمتِ الرياض ومعها قوى عربية أخرى، أن لا داعي لتضييع الوقت والجهد، وأن الجامعة ليست هي المكان المناسب لمناقشة التحديات، أو وضع حلول ومخارج للواقع العربي الراهن والمأساوي طبعاً.

فلسطينياً جرى أمر مماثل، فقد جرى تكرار نفس العبارات عن حل الدولتين و والمبادرة العربية ورفض الاستيطان أو تهويد القدس أو الاعتراف نقل السفارات إليها باعتبارها عاصمة للدولة العبرية، رغم أن المجتمعين يعرفون أن حل الدولتين تقتله إسرائيل، التي مدوا إليها يد السلام يوما بعد يوم، وأن العمل خارج الجامعة يجرى فعليا لتجاوز المبادرة العربية ووضع العربة قبل الحصان، أي التطبيع قبل الانسحاب وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة التي عاصمتها القدس ضمن حدود حزيران يونيو 67 مع حل عادل لقضية اللاجئين وفق القوانين والمواثيق الدولية.

أما أوضح وأقوى عبارات البيان الختامي، فجاءت ضمن سياق الحديث عن الحرب على الإرهاب، دون تحديد دقيق للمصطلح، و دون وضع الأسس والقواعد الصحيحة لتلك الحرب بالإقلاع عن الحل الأمني وحده , وبالتركيز على البيئة الحاضنة والينابيع المغذية والمستمدة من الاستبداد والقهر والاستئثار والفساد وإقفال أفاق التغيير السلمي أمام الشباب العربي، وتخييرهم بين الرضوخ والاستسلام لواقعهم أو حمل السلاح وبالتالي مواجهة تهم الإرهاب والتكفيرِ.

عموماً جاءت القمة ميتة كما الجامعة العربية القديمة المتهالكة المتقادمة نفسها, التى تعيش فى حالة موت سريري منذ اندلاع الثورات قبل ست سنوات، ومحاولات احيائها أو اجراء التنفس الاصطناعي للأنظمة التى تمثلها لن تجدي نفعاً, والتعويل عليها بالتالي أو طلب الحلول منها مضيعة للوقت ليس الا, ولن ينصلح حال الجامعة الا بانصلاح حال الدول التى تضمها وتعبر عنها وهذه لن تتغير وينصلح حالها إلا بانتصار الثورات وإسقاط أنظمة الاستبداد والفشل بفلولها وثوراتها المضادة وهو ما سيحدث حتماً ولو بعد حين .

السابق
#ولعانه_بين_التيار_والقوات والناشطون: أوعا خيك!
التالي
هل يكون «حزب الله» بعد «داعش»؟