المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ضحية النواب الشيعة ومصادراتهم الحزبية

إبراهيم شمس الدين
الوزير السابق الشيخ ابراهيم شمس الدين يعلّق على مقال "كيف الحدّ من طغيان "الهيئة التنفيذية" في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى على "الهيئة الشرعية" للشيخ محمد الحاج علي العاملي.

تعليقاً، واستكمالا أيضاً، لمقالة فضيلة الشيخ محمد علي الحاج والتي وردت بعنوان “كيف الحدّ من طغيان “الهيئة التنفيذية” في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى على “الهيئة الشرعية“، أُبدي رأيي فيها، طبعاً مع الشكر والإشادة بجهود فضيلة الشيخ للحلقات المتتالية والمستمرة التي يكتبها متابعاً ومتخصّصاً في ملفّ المجلس الشيعي، في محاولة لطرح أفكار لتحديثه وإدخال اصلاحات فيه باعتباره المؤسّسة الشيعيّة المركزية التي نريد لها جميعاً أن تعود كما كانت، لتعبّر عن الوجدان العميق للبنانيين الشيعة، وطنيتهم وانفتاحهم وتواصلهم مع اللبنانيين الآخرين، وأن تكون على مسافة متوازنة ومتوازية من الجميع كما كانت في السابق، وحتى لا تكون مستلحقة وعنواناً فرعياً حزبياً لأي من القوّتين السياسيّتين المهيمنتين داخل اللبنانيين الشيعة وعليهم.

أولاً : لا أوافق تماماً على وجود طغيان من الهيئة التنفيذيّة على الهيئة الشرعيّة. في النظام الداخلي للمجلس الداخلي توجد صلاحيّات كثيرة لكل من الهيئتين، وهما بهذا المعنى متوازيتان. لا بل إن رئيس المجلس يعمل بقراراتهما مجتمعتين أو منفردتين وفق قانون المجلس. هذا من جهة، ومن جهة أخرى إن عدد الأعضاء المنتخبين في كل من الهيئتين هو 12 عضواً، وبالتالي هما في حالة تساوٍ أو حالة توازن من حيث العدد. كما يُنتخب من كل منهما نائب لرئيس المجلس، النائب الأول لرئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ينبغي أن يكون رجل دين، وبالتالي هو عضو في الهيئة الشرعية للمجلس، والنائب الثاني لرئيس المجلس هو مدني ينتخب من بين أعضاء الهيئة التنفيذية. ومن المعلوم أن الصلاحية في حال غياب رئيس المجلس – لأي سبب من الأسباب أو تعذر حضوره أو تولّيه لأعماله – هي للنائب الأول، وهو الذي يتصدى ويتولى المهام، وبالتالي له سلطات وصلاحيات متقدمة حتى مع وجود النائب الثاني للرئيس، مما يعكس أهمية الهيئة الشرعية وحضورها بهذا المعنى، وتقدمها المعنوي على الهيئة التنفيذية المدنية لهذا المجلس.

ثانياً: ربما ما هو المقصود بهيمنة الهيئة التنفيذية على الهيئة الشرعية الذي يشير إليه فضيلة الشيخ الحاج هو العدد الإضافي من الأعضاء المدنيين الذي فُرض على قانون إنشاء المجلس الشيعي عندما تمت الموافقة عليه عام 67 بإدخال النواب الشيعة أعضاء حكميين فيه وتحديداً في الهيئة المدنية التنفيذية للمجلس. وعدد النواب الشيعة هو 27 نائباً – بعد اتفاق الطائف والزيادة التي تمت – خلافاً للاتفاق-والتي رفعت عدد النواب اللبنانيين من 108 الى 128 – وهكذا يصبح عدد أعضاء الهيئة التنفيذية في المجلس الشيعي 39 شخصاً مقابل 12 رجل دين في الهيئة التشريعية. وأعتقد أن هذا هو ما يقصده فضيلة الشيخ الحاج من هيمنة أو طغيان.

إذاً، صارت الهيئة التنفيذية في المجلس الشيعي تتكون من 12 عضواً منتخباً من الطائفة الشيعية مباشرة ومن 27 نائباً منتخباً من الشيعة وغير الشيعة.

هذا الأمر أحدث خللاً كبيراً، وصار معلوماً أن هذا “الإدخال” كان خلاف مشروع القانون الذي أراده السيد موسى الصدر حين إقرار وانشاء مؤسسة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وعلى ما يبدو فهذا التعديل – إدخال النواب الشيعة كأعضاء حكميين في المجلس الشيعي- تم داخل مجلس النواب.

في رأينا، وبناء على التجربة التي عشناها في السنوات السابقة كلها، هذا الأمر – إدخال النواب الشيعية في المجلس دون انتخاب- لم تكن له فعالية ايجابية اطلاقاً، بالعكس هو أساء إلى المجلس، وحدّ من قدراته ومن حيويّته على التحرّك المستقل، وهذا الأمر يُظهره بشكل واضح وجلي الشيخ محمد مهدي شمس الدين، رحمه الله، الرئيس الثاني للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى إذ يقول في وصاياه، وفي الوصيّة التي عَنْوَنَها «تجربة الشيعة اللبنانيين»، وكما نشرناها في كتاب «الوصايا» التي سجلها في باريس أثناء علاجه من المرض في نهاية العام 2000 م. يقول: “حصل خطأ، في نظرنا وهو إدخال الجسم النيابي الشيعي للمجلس النيابي، إدخال أعضائه أعضاء حكميين ومن غير انتخاب في جسم المجلس الشيعي إلى جانب هيئتيه الشرعية والتنفيذية المنتخبتين من الهيئة العامة”. ويتابع الشيخ شمس الدين: “إنّ إدخالَ النوّابِ الشّيعةِ أعضاءً حُكْميين، أدخلَ جميعَ انقساماتِ الشّيعةِ الداخلية، بسببِ تحالفاتِ فئاتِهم مع الأحزابِ والطوائفِ الأخرى، في صميمِ المجلس. ومن هنا فقد وُلدِ المجلسُ من أوّلِ الأمرِ إمّا أنْ يكونَ مشلولاً في اتّخاذِ القراراتِ، وإمّا أنْ يأخذَ قراراتٍ هامشيّةً لا تُقدّمُ ولا تؤخِّر، وإما أن يعتمدَ على مبدأِ الإجماع”. ويتابع: ” قلَّما، قلَّما اتُّخذت قراراتٌ جذريّةٌ في المجلسِ الإسلاميِّ الشّيعيِّ الأعلى، وبعدما اتُّخذت فقلَّما كانت لها فاعليّةٌ تُذكرُ على مستوى التنفيذ… وهو [المجلس] على مستوى الهيئةِ التنفيذيّةِ لم يُعتبرْ أداةً إداريّةً وتنظيميّةً بقدرِ ما اعتُبر مِنصَّةً سياسيّةً لكثيرٍ من الطامحين الذي يأملون بالحصولِ على مناصبَ سياسيّة؛ وهذا طبعاً أدَّى إلى شللٍ إضافيٍّ في قدرةِ المجلسِ على التّعاملِ مع الدولةِ ومع النّظامِ السياسيِّ، ومع القوى السياسيّة؛ إذ إنّ أيَّ قرارٍ يتّخذُه المجلسُ وتحاولُ رئاسةُ المجلسِ أن تنفّذَه، قد تجدُ من ورائها ومِنْ حولها عقباتٍ من بعضِ الجهات (التي هي من داخلِ المجلسِ، سواءٌ من الجسمِ النيابي أو من الجسمِ المنتخب) تَحولُ دون ذلك نتيجةً للطموحاتِ الخاصّةِ التي يسعى البعضُ للحصولِ عليها من خلالِ انتمائِه إلى المجلس”.

وكما ثبت للشيخ شمس الدين، ثبت لنا بناء على هذه التجربة بعد 16 عاماً على وفاته، وعدم انتخاب رئيس للمجلس، وحرص القوى السياسية المسيطرة على إبقاء المجلس مؤسسة ضعيفة مستلحقة بهما، ومنعه من أن يكون مركزاً لقرار شيعي مستقل عن الخصوصيات الحزبية لأي منهما أو لكليهما معاً، وبما يتعارض مع المصلحة الحقيقية والعميقة للبنانيين الشيعة كمواطنين في الوطن اللبناني، كما تأسست مع السيد موسى الصدر في المجلس الشيعي، وكما رسّخها وعمّقها الشيخ محمد مهدي شمس الدين أثناء تولّيه رئاسة المجلس كنائب رئيس بعد تغييب السيد موسى الصدر ومن ثم بعد انتخابه رئيساً للمجلس عام 1994 حتى وفاته في الشهر الأول من العام 2001.

ثالثاً: دخول النواب الشيعة بتمثيلهم الحزبي وتحالفات أحزابهم أو تحالفاتهم الخاصة مع قوى أخرى عطلت قدرة المجلس عن العمل واستلحقته في سبيل تأييد مواقف لا تكون بالضرورة في مصلحة الشيعة اللبنانيين في المدى القصير في بعضها، وفي المدى البعيد والاستراتيجي في بعضها الأخر. ومع الوقت انحلّ المجلس بمعنى أنه خارت قواه الداخلية لأنه صار منصة للاكتساب العادي في الوظائف وفي الأموال وفي سوء الإدارة وفي مواقفه السياسية التي تعبر عنها البيانات التي تصدر عنه. وفي السنوات الأخيرة كما هو معلوم، لا يجتمع المجلس الشيعي لإصدار بيان لأن القوى المسيطرة عليه لا ترى حاجة في ذلك لأنها هي التي تعبّر، وهي تريد أن تتفرد في التعبير عن الموقف السياسي للبنانيين الشيعة بادّعاء أنّها تمثلهم حصريّاً. إن المجلس يصدر عنه مواقف من موظفين هنا وهناك يديرونه كما أدار المماليك الخلافة الإسلامية في أواخر العهد العباسي وانهيار الدولة الاسلامية. يوجد “مماليك جدد” داخل المجلس الشيعي، في مركز الطائفة الشيعية، تصدر عنهم مواقف وتصريحات فيها أخطاء كبيرة خلافاً للفكر اللبناني الشيعي الذي أنتج المقولة المبدعة التي صارت جزءًا من الدستور اللبناني وهي أن لبنان وطن نهائي لجميع بنيه.

إقرأ أيضاً: شمس الدين: التمديد للمجلس الشيعي غير دستوري

من هذا المجلس الذي هو مفخرة شيعية ومفخرة وطنية لبنانية عامة صارت تصدر أصوات رسمية تقول مثلاً في بيانات رسمية أنه يجب إنشاء نقابة للمحامين شيعية منفصلة عن النقابة الوطنية! صارت الأصوات التي تصدر عن المجلس الشيعي شديدة الفئوية وفيها حزبية طاغية ومتغلبة بما يتعارض قطعاً ويقيناً مع المصالح الحقيقية للبنانيين الشيعة، كما تصدر مواقف أو قرارات وسلوكيات تتعارض مع الأحكام الشرعية المعروفة والمعتبرة.

 

 

رابعاً: إذاً ليس الطغيان من الهيئة التنفيذية المدنية على الهيئة الشرعية، إنما هو طغيان من السلطة السياسية المسيطرة على كل من الهيئتين التنفيذية والشرعية عبر إدخال ووجود النواب الشيعة كأعضاء حكميين داخل المجلس الشيعي غير منتخبين من قبل الهيئة العامة كما قلنا، وهؤلاء بعددهم، يمثلون أكثر من ضعفي أعضاء الهيئة الشرعية المنتخبة وعددهم 12، وهم أكثر من مجموع كلا الهيئتين التنفيذية والشرعية معاً، إذ أن مجموع الهيئتين 24 عضوا منتخباً من الهيئة العامة في المجلس الشيعي بينما النواب وحدهم هم 27 شخصاً متمركزين في الهيئة التنفيذية، وهم الذي يسوقون ويفرضون -بناء على تبعيتهم السياسية الحزبية- الموقف السياسي الذي يريدونه أن يصدر عن المجلس الشيعي.

هناك إرغام كما حدث ويحدث طوال ال 16 العام الماضية بأن اصبح المجلس – بدلاً من أن يكون مركز القرار المستقل الذي يعبر عن التوجّه الحقيقي والوطني للطائفة الشيعيّة- منصة مستلحقة وعنواناً فرعياً من العناوين التي يستعملها رئيس مجلس النواب أو حزب الله.

إقرأ أيضاً: شمس الدين: حزب الله بريء وجهات فئوية وراء التمديد للمجلس الشيعي

ما ينبغي من الاصلاحات الحقيقية والضرورية لإعادة تقويم وضع المجلس الشيعي وإعادة الاعتبار اليه، وليكون مؤسسة تملك قرارها هي، وليس قرار الآخرين حتى لو كانوا سلطات سياسية أو حزبية داخل الشيعة، ذلك أن القوة تدفع صاحبها إلى الطغيان والتسلط، ولهذا فإنّ المصلحة العليا للطائفة اللبنانية الشيعية أن يكون المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى مستقلاً عن أية قوة حزبية أو رسمية شيعية، وذلك عبر تكون هيئاته بانتخابات مباشرة من الهيئة العامة الشيعية الناخبة، وبحيث تأتي هذه الانتخابات برجال جدد صحيحين وبرئيس عالم حقيقي محترم وموقّر من الأخرين، عنده بعد نظر وله عمق في الرؤية وفي حفظ المصلحة العامة؛ أن يتم تعديل قانون المجلس بحيث تنتفي حكمية انضمام نواب الشيعة الى الهيئة التنفيذية للمجلس.

هذه الملاحظات العامة على مقالة سماحة الشيخ محمد علي الحاج وسيكون لنا ايضاً كلام قريب حول الحاجة وهي أيضا عنوان لمقالة وضعها فضيلة الشيخ محمد الحاج وهي حول الحاجة أو انتفائها للمجلس الشيعي لنا رأي ايضاً والسلام عليكم.

السابق
الأسر الإقطاعية ليست احتلالاً إسرائيلياً!
التالي
علي الأمين: المنافسة في الإنتخابات مشروعة خارج مناطق حزب الله فقط