«عبّا» ليست مكبَّاً.. إنها تاريخ

تلويث البيئة النظيفة صار منهجا تختص به البلديات.. ما هو الثمن الذي تتقاضاه هذه البلديات مقابل ذلك؟ وما هو موقف ابناء البلدات الجنوبية التي لم يضربها بوديانهاالتصحر الا بعد التحرير عام 2000.

خوفا على الذاكرة من الماعز الجائع..حتى لا يكتب التاريخ ان عبّا هي مأوى نفايات الشقيف، ذكرت بعض المصادر التاريخية أنه وُجدت آثار في البلدة تعود للعهد البرونزي (أي الفرعوني الهكسوسي)، وقد حدّثني بعض العارفين أن البلدة كانت ممّرا للمواكب الفرعونيّة، والطريق السلطاني كان يمر فيها، وكان مرصوفا للعربات الملكيّة التي كانت تعبُر من خلالها.

إقرأ أيضا: وجهاء بلدة «عبا» جنوب لبنان (1860 – 1950)

وقد تابعتُ مع بعض المهتمين مسار الطريق السلطانيّ هذا. فوجدنا آثارا تدّل عليه جنب (عين الحاج حسن) مرورا بالوادي أسفل العتبات.

وبالانتقال الى العهد الفينيقي، نجد ان الوادي المحاذي لبلدة عبّا قد تم ذكره في كتب بعض المؤرخين اليونان، الذين أرخّوا للفينيقيين (العرب الكنعانيين). بل أكثر من ذلك، ونظرا لأهميّة المُنشأة (المعبد) التي كانت قائمة في تلك التلة (العتبات)، حمل بعضهم هذا الاسم، وأنشأ ما يشبهه في وادٍ اطلق عليه (اسم عوبا) في فلسطين واليونان.

ويُروى انّ الشهيد الاول (محمد بن مكي الجزيني) وهو أكبر فقيه شيعيّ إماميّ كان له جولة وصولة في الوادي الفاصل بين الزرارية وعبّا، وكانت تلك الواقعة مفصلا أساسيّا في تاريخ شيعة جبل عامل. حيث قضى فيها الشهيد على اليالوشي، الذي ادّعى النبوّة، وسار معه جمع غفير. هذا مرويّ في مخطوطة “نسيم السحر” التي كتبها حفيده، وحصل آل الفقيه على نسخة منها محفوظة، عندهم في بلدة حاريص.

وبالبحث في مشروع الاتوستراد العربي الذي كان مزمعا تنفيذه في الستينيات، وجدنا ان المشروع كذلك كان مخططا له ان يمر ببلدة عبّا. وبالفعل دفعت الدولة استملاكات لهذا الطريق الحيويّ.

وعندما ارادت الدولة التلاعب بالسجل العقاريّ وإلحاق الوادي بمنطقة قلعة ميس، هبّ السيد اسماعيل علي حسين مع اولاده، مسلّحا بالعصيّ، وواجه آل الغفريّ والمسّاح المتلاعب.

إقرأ ايضا: «عبّا تودّع شهيدها العاشر»: هكذا نعى حزب الله علي خزعل

ومعلوم ان الحضارات تتوارث القلاع وطرق المواصلات الحيوية. فلم أعرف (بحدود اطلاعي) أن قوة او تنظيما بسط نفوذه الا وتموضع في منطقة الوادي.

وهذا ما فعلته بلديتنا الحاليّة من اعادة مجد الوادي باغراقه بالنفايات المستوردة، وروائح المخططات المشبوهة. بدل إقتفاء ذلك التاريخ المُشرق والمشرّف، نحيث تقوم بردمه بنفايات النبطية، لترضى عنّا الآلهة الصغيرة.

السابق
«حزب الله» ينفي ما أوردته رويترز!
التالي
إطلاق نار على حافلة للركاب في عرسال