الأمهات والحرب

هزّتني “هيلينا كوبان” في ما روته في جريدة الحياة أواخر عام 1999 عن إحدى الأمهات اليهوديات الأربع، اللواتي قمن بجهود تعبوية واسعة من أجل تحريض أمهات الجنود اليهود على المطالبة بإعادتهم من مكامن الخطر في جنوب لبنان.

اقرأ أيضاً: آخر الجسر

هذه الجهود، في رأيي، كان لها أثر ما في توجه إسرائيل إلى التسوية وإصرارها على الانسحاب من الجنوب بفعل الصمود والمقاومة بعمقها الشعبي الوطني، على أي حال.
ومما قالته الأم بعمق وشفافية :” ان الله لم يكلف أم إسحاق (إسماعيل عندنا) بذبح ولدها، كلّف أباه إبراهيم لأنه يعلم أن الأم سوف تخالفه وتمتنع فلا تتحقق الحكمة بالطاعة والفداء والافتداء”.
وجميع الناس يعرفون ويذكرون ان موقف الامهات في الاتحاد السوفياتي السابق كان له أثر كبير على الحرب في أفغانستان والانسحاب السوفياتي منها لاحقاً.. ولا ننسى حرب أميركا في فيتنام ونهايتها بالاحتجاج الشعبي الذي حرّكته أمهات الجنود.
في تقديري نحن ملزمون دينياً ووطنياً وحضاياً باعتبار الأمهات مرجعيتنا في تعيين ما اذا كانت الحرب التي نخوضها عادلة وتستحق التضحية أو غير عادلة.. أليس من هنا نرى أمهات الشهداء الذين يسقطون في المقاومة ضد إسرائيل، راضيات بالشهادة، على الرغم من بعض المبالغات القاسية التي تصل الى منعهن أو إقناعهن بالامتناع عن البكاء وإظهار الحزن، تكليفاً لهن بغير الواجب ولا المستحب ولا المطاق أحياناً!.وقد حدث مثل ذلك في إيران والعراق أثناء الحرب بينهما، وكان ضاراً جداً.

امهات
ومعروف أن الرسول بعد معركة أُحد وجد المسلمات ينحن في المدينة على شهدائهن فتذكر عمه حمزة وقال : إلا عمي حمزة لا نائحات له.. فناحت عليه نساء الحي من آل عبد المطلب.
ومن المعروف بأن النساء الروسيات جاهرن باحتجاجهن على زج أولادهن في حرب الشيشان.. وذكّرني ذلك بنساء القرى والأحياء في لبنان كافة، وكيف أنهن أثناء الحرب الأهلية أو شبه “الأهلية” لم يكنّ راضيات بذهاب أولادهن إليها ولا بعودتهم منها أحياء أو قتلى.. ولا أظن واحدة من أمهات ضحايا الحرب الآن تفاخر بشهادة ابنها، بل هي تغص بها وتشعر بالخسارة والغبن!

اقرأ أيضاً: الاعتدال بين الطمأنينة والقلق

إلى هذه القيمة المكونة للأنوثة والأمومة يُبعث العقل والقلب والدين، أما أن تتحول المرأة باغتيال عقلها وقلبها ودينها إلى انتحارية إرهابية فهذا نحر وانتحار وتشويه لوجه العراق وقلبه الحاشد بالحنان والحب وصدره المتدفق لبناً سائغاً طاهراً.

السابق
سوريا خطفها الروس والاتراك والعرب خارج «استانا»
التالي
اعتقال مشاريبوف.. هل أغلقت تركيا الدائرة؟