قبل ان اغادر الائتلاف

فكرت كثيراً في كتابة هذه الرسالة لكم، ليس لاني قررت ان اترك الائتلاف، ولا لانها المرة الأخيرة، التي اخاطب بعضكم، وكلكم عبر هذا المنبر. بل لاني اميز بحكم تجربتي مع أكثركم لمدة ثلاث سنوات ونصف العام، بين مجموعتين في الائتلاف، مجموعة تسعى لان يكون الائتلاف افضل في عمله من اجل الثورة، وأخرى لاترى في الائتلاف سوى أداة من اجل مصالحها، والتي هي غالباً مصالح محدودة وضيقة سواء كانت تخص مجموعة من الأعضاء، او شخص ما، وددت ان اشكر المجموعة الأولى، وان اعزي المجموعة الثانية، وأتمنى لاعضائها الشفاء العاجل من ذاتيتها وانانيتها، التي تغلب على مصلحة السوريين وسوريا، التي يزعمون انهم يعملون من اجلهما، ولايحتاج الى تأكيد من جانبي، قول ان هذا التقسيم لايعتمد انتماء ايدولوجي او اثني او مناطقي، وكلها انتماءات لا اعتمدها للتعامل مع الناس في حياتي.

وودت ايضاً من رسالتي، ان اذكر الجميع، اننا وبغض النظر عن مصداقية قسم منا، بذلنا من مواقع مختلفة جهوداً كثيرة من اجل اصلاح الائتلاف الذي عرفنا واعترفنا مرات ومرات، انه يحتاج الى اصلاح جدي وعميق، ووضعنا مشروعات وخطط لاصلاحه، لكن كل المشروعات والخطط، جرى تعطيلها وحرفها عن غاياتها في جعل الائتلاف افضل لخدمة ثورة سوريا والسوريين، واستطاع أصحاب المصالح، ان يفشلوا جهود الإصلاح، وذهبوا بالائتلاف الى مزيد من الاضعاف الى الدرجة التي صار اليها، بحيث انه وبعد سقوط حلب الكارثي، لم يستطع ان يقول كلمة حق واحدة لابمن قادوا حلب برمزيتها الى السقوط في يد تحالف الروس مع نظام الأسد وايران والمليشيات التابعة للولي الفقيه، ولا لقوى التطرف والإرهاب، التي لعبت دور الشيطان المنفذ لسياسات نظام الأسد تحت شعارات “إسلامية” من “الدولة الإسلامية” الى “جند الأقصى” الى “النصرة” الكاذبة وغيرها، وقد كانوا براء منها جميعها.

وأكثر مما سبق فقد عجز الائتلاف وفي ضوء ما جرى، ان يقف وقفة شجاعة، ويبحث في المرحلة الماضية، فيقرأ تجربته بروح نقدية، ويقرأ ايضاً تجارب غيره مثل المجلس الوطني السوري، وهيئة التنسيق وتجارب الجماعات السياسية المعارضة، التي سعت لقيادة ثورة السوريين، وان يقول اين اصابت تلك التجارب وأين أخطأت، ويحدد خطوات، تعزز الإيجابي، وتتجاوز الخطأ في تجربة نحو ست سنوات من معاناة عاشها السوريون، لم يعش مثلها شعب في التاريخ. لهذه الأسباب اكتب لكم رسالتي، دون نسيان سبب آخر، وهو شكر مجموعة من أعضاء في الائتلاف، طالما دعمتني وساندتني في كل المرات، التي كنت فيها مرشحاً لمسؤولية فيه، واخرها تسميتي ناطقاً رسمياً باسم الائتلاف الوطني من جانب الهيئة السياسية، وقبلها مرات كعضو في الهيئة السياسية من قبل الهيئة العامة للائتلاف، ويعرف هؤلاء الاعضاء اني عملت ما استطيع في ظل ظروف لم تكن مواتية لعمل جدي في الهيئة السياسية وفي عموم الائتلاف من اجله ومن اجل ثورة السوريين العظيمة.

إقرأ ايضًا: الغرق الروسي في الصراع السوري

وانا اكتب رسالتي مغادراً الائتلاف، اود ان اشير بشكل سريع الى أسباب منعت اصلاح الائتلاف الذي ولد مريضاً بفيروسات المجلس الوطني وبينها تدخلات إقليمية ودولية رسمته وفق اجنداتها، وضمت في عداده شخصيات وجماعات، لم تكن في سوريا، ولا تكاد تعرفها قبل انطلاق الثورة ولاقبلها، وأصحاب مصالح راهنوا على التدخلات الدولية طريقاً لازاحة نظام الاستبداد والقتل، والحلول محله، عبر سعيهم الى عسكرة الثورة، ثم اسلمتها وتطييفها، واتبعوا كل السبل وارخصها من اجل الحفاظ على وجودهم باي مكان في قيادة “المعارضة”، وكله بخلاف روح الدفق المدني والشعبي الذي اظهرته الثورة بوجهها الشبابي الديمقراطي والشعبي الوطني عند انطلاقتها في وجه نظام الأسد وعصابته. ولم يكتفِ حاملو فيروسات المجلس الوطني بما حملوه من التجربة المرة، بل اضافوا اليها تجديداتهم، عند تأسيس الائتلاف، بان حولوه الى شركة خاصة، مالبثت ان أعلنت افلاسها بعد اشهر قليلة، فكانت التوسعة بهدف الإنقاذ، لكن الفئة المسيطرة والداعمين الاساسيين تلاعبوا بالتوسعة منعاً لتجاوز أخطاء تشكيل الائتلاف، واقاموا سدوداً في وجه تطويره، ومنعوا صيرورته اداة في خدمة الثورة والشعب السوري.

لقد سعى البعض الى الاختباء وراء لافتة الائتلاف من اجل مشاريعهم الحزبية الضيقة، فشاركوا في تحالفات جعلوها صورية، كان هدفهم منها التمدد والسيطرة والحصول على دعم الائتلاف لهم، والهيمنة على الحكومة المؤقتة، وهذا لم يمنعهم عن وصف الائتلاف الذي كانوا في موقع القيادة فيه، بانه كان صندوقاً أسود. وسعى آخرون في كتلة مشكوك في تمثيلها الى مد اذرعتهم للسيطرة على مؤسسات الائتلاف ومركز الإدارة فيه، وامسكوا بالحكومة المؤقتة ووحدة تنسيق الدعم ومفاصل أخرى بالائتلاف، بل انهم اصروا على استمرار وجود كتلة الأركان الاشتراطية، التي تمثل كياناً لم يعد موجوداً، لانها تعد اصواتاً تحسب لهم في الدورات الانتخابية وفي عمليات التصويت.

ولم يكن وضع قيادة الائتلاف افضل حالاً من كتله. فاغلب الأحيان كانت القيادة ضعيفة وتسودها الفردية. وانتظارية لاتملك روح المبادرة، ومتصارعة ومتناقضة في سلوكياتها وأهدافها، وعاجزة عن قول كلمة حق في المسكوت عنه كما في الموقف من المتطرفين والإرهابيين أمثال جبهة النصرة وجند الأقصى، ومسايرة لمواقف الأصدقاء الإقليميين والدوليين، وذات آذان مصابة بالصمم، وعيون لاترى ابعد من انفها، الامر الذي لم يخرجها من دائرة التأثير في الائتلاف فقط، وانما خارجه في العلاقات مع المعارضة والشعب وأصدقاء الشعب السوري، وكله ساهم في اضعاف الائتلاف ومكانته لدى السوريين وغيرهم، والحق افدح الضرر بقضية السوريين، وفي الخلاصة بدت اسوأ قيادة لاعظم قضية في العالم كله.

عندما قررت الكتابة قبل ان اغادر الائتلاف، تجاوزت محنة قرار كثيراً ما تهيبت اتخاذه بترك الائتلاف، لاني ما وددت ان أوجه سهماً واحداً لفكرته، التي كانت ضرورية في السابق، وضرورية في مستقبل سوريا والسوريين. اذ لن يستطيع بلدنا ولا أهلنا دون تحالف حقيقي وواسع، تجاوز ما اصابهم من كوارث على ايدي نظام الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين ومليشياتهم، وحلفائهم المستترين والعلنيين من متطرفي “داعش” وجبهة النصرة واخواتهم قتلاً واعتقالاً وتهجيراً، وتدميراً للقدرات الفردية والاجتماعية للسوريين.

ان الائتلاف بحالته الراهنة بمن فيه من غالبية الكتل وغالبية الأشخاص، لم يعد يمثل الائتلاف او التحالف المطلوب والمأمول للسوريين وقضيتهم، ليس لانه عصي عن الإصلاح، كما ثبت في تجربة زادت عن اربع سنوات مضت، بل ايضاً لانه ظل بعيداً عن تمثيل كثرة السوريين وخاصة الشباب والنساء، ولان غالبيته، اعجز من القيام بالإصلاح وتصحيح المسار، وكثير منهم لايملك إرادة المضي في هذا الطريق، وبالتالي فان ثمة حاجة ملحة مفروض على السوريين والشباب منهم بشكل خاص القيام بها دون تأخير، وهي توليد تحالف وطني/ديموقراطي، يقود السوريين وثورتهم نحو المستقبل باتجاه الحل السياسي، وتغيير النظام، واقامة بديل ديمقراطي، يوفر الحرية والعدالة والمساواة لكل السوريين.

اجزم وانا اختم رسالتي لاعضاء الائتلاف الذي زاملت اغلبهم في ثلاث سنوات ونصف مضت، ان الانسان ابن بيئته. ومرض الائتلاف وضعفه، جعل كثيرين من أعضائه ضعافاً، ولان تغيرت البيئة وشروط العمل، فان كثير من الضعفاء سيكونون اقوياء وافضل مما هم عليه الآن، واراهن على ان ضعف البعض وانا منهم، سوف يتراجع، ونكون أكثر قوة، اذا غيرنا البيئة المحيطة، ووفرنا إرادة من اجل الأفضل لبلدنا ولأهلنا السوريين، وكلاهما يستحق من الكثير. وشكرا لكم

السابق
جيش الإسلام لـ«الأناضول»: المعركة ليست بالخنادق فقط
التالي
ماذا تعرف عن «أستانة» مقر المفاوضات السورية المرتقبة؟