قانون انتخاب ليعودوا «كلن يعني كلن»!

الجدل حول قانون الانتخابات لعبة سمجة تتقنها معظم قوى السلطة، هدفها اغراق المواطنين في جدل عقيم حول النظام النسبي والاكثري والمختلط، وفي الختام عود على بدء تقاسم الحصص بين اقطاب الحكم.

في فن التشويش والتحريض والتخويف، لا احد يستطيع ان ينافس اقطاب السلطة. ثمة خبرة عالية باستثارة الغرائز المذهبية والطائفية، واستثمار لا ينتهي الا باعادة انتاج الشىء نفسه، ذلك الذي فشل في ادارة البلد بعد ان تجاوز الدستور وتجاوز القانون، واكثر، نهب الدولة وينهب اليوم مخزونها النفطي قبل اوانه.

الانكى من ذلك كله ثمة من يحاضر بالاصلاح. باتت المطالبة بالنظام النسبي كافية من رجل السلطة ليقول للمواطنين: هل رأيتم كيف انني مع الاصلاح، وانا من يريد انقاذ الدولة وتصحيح الخلل السياسي والانتخابي. يكمل صاحبنا: ولكن ماذا افعل والآخرون يرفضون هذا النظام النسبي ونحن بلد التوافق وعلى الجميع ان يساهم في انجاز قانون انتخابي راضين عنه؟ تطل كلمة التوافق بين شفتيه هكذا بلطف وابتسامة وحنان الثعلب. اي توافق هذا الذي نطلبه حين تقتضي مصلحتنا، ونرفضه حين تقتضي مصلحتنا ايضا. قبل ذلك نفسر التوافق على طريقتنا وكما نشتهي ونشاء. الم يكن انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية نموذجا لهذا التوافق السمج الى حدّ الاستغباء لكل مواطن وللدستور والقانون. عامان ونصف من المماطلة والتعطيل واخيراً تم التوافق غير المسموح إلاّ حول رجل واحد ولا احد سواه.

قبل النظام النسبي او النظام الاكثري او المختلط بين النظامين، يجب السؤال: هل لدى المواطن فرصة حقيقية للانتخاب الحر؟ هل من فرصة للترشح مع شرط المساواة بين المرشحين؟ هل من هيئة اشراف على الانتخاب قادرة على ان تقف بقوة القانون في وجه اي انتهاك للعملية الانتخابية قبل وخلال اجراء الانتخابات النيابية؟ بل لماذا لا يتم اقرار قانون الانتخاب قبل اعوام من موعد اجراء الانتخابات؟

ماذا يعني تحديد الدوائر الانتخابية والنظام الانتخابي قبل شهرين او اسابيع من موعد اجراء الانتخابات؟ لماذا لا تتم عملية الاقتراع كما معظم دول العالم ان لم يكن كلها في مكان الاقامة وبمعزل عن الموقع الجغرافي للدائرة الانتخابية؟ لماذا تريدوننا ان نقتنع ان سطوة السلاح ليست عنصرا مقوضا للانتخابات وللعملية الانتخابية؟ اوليست المساواة بين المرشحين شرطا للديمقراطية وللقانون؟ اوليست عملية الانتخاب تفترض مساواة بين الناخبين؟ وهل يستوي اصحاب السلاح مع العُزّل؟ طبعا لا نريد ان نهوّن من شأن المال الانتخابي غير المشروع في الاخلال بالعملية الانتخابية، فكيف اذا اجتمعت سطوة السلاح والمال الانتخابي غير المشروع معا، هل يعود مهمّاً ان كان النظام الانتخابي نسبياً او اكثرياً؟

لا نريد ان نتوسع في التجاوزات التي تتم، بل الى الأسوأ وهو ان ترتكب من دون ايّ حذر لدى مرتكبها من اجراء عقابي. وبعد كل ذلك يأتي من يتنطح ليحاضر على اللبنانيين بالنظام النسبي او المختلط، وانه يريد الاصلاح ويتطلع الى تمثيل صحيح للمواطنين، الى الحدّ الذي يشعرك بأنه يعاني ليلا نهارا من غياب الديمقراطية او ضعفها ومن عدم صحة التمثيل، بل ويعاني من النظام الطائفي هو الذي استخدمه واستحلبه واتكأ عليه ليبني زعامة طائفية ثم يريدك ان تصدق ان “النسبية” التي يريدها هي بغاية الاصلاح وتجاوز الطائفية. وفي الوقت نفسه يكشف عن رحابة خبيثة “إنّ قانون الانتخاب يتطلب توافق جميع القوى دون استثناء”.

اللعبة سمجة ايّا كان قانون الانتخاب، وايّا كان وسيكون النظام الانتخابي. قانون الانتخاب مثله مثل ايّ قانون، يحتاج الى ان يقر ضمن عملية دستورية وقانونية تتم في مجلس النواب. يكفي ان يتم تأمين اكثرية 65 نائبا خلف اي مشروع قانون ليكون لدينا قانون انتخاب. ما الحاجة الى ابتداع التوافق الشامل ان لم يكن المقصود اعادة انتاج السلطة نفسها؟

يمكن عرض المشاريع المقترحة على مجلس النواب والدخول في المداخل الطبيعية اي التصويت على ثلاثة او اربع مشاريع قوانين، ويمكن الوصول الى نتيجة على هذا الصعيد. اما القول “كلن يعني كلن” يجب ان يوافقوا فمعناه الحقيقي ان “كلن يعني كلن” يجب ان يعودوا الى مجلس النواب… والله ولي الاصلاح والتغيير.

السابق
«شياح» أميركا بلا «أمل»!
التالي
الرياشي ينفي اللقاء مع القماطي: «القوات» يدها ممدودة للجميع