حوار عين التينة الخبيث

قبل مدة، وفي حمأة الاصطفاف السني – الشيعي، على امتداد العالمين العربي والإسلامي، وصولاً إلى لبنان، وُلدت مبادرة الحوار الثنائي بين “تيّار المستقبل” من جهة، و”حزب الله” من جهة أخرى، وبرعاية الرئيس نبيه برّي، الطرف الشيعي الآخر. وكان ذاك الحوار حاجة وطنيّة أكثر منها إسلاميّة، لأن كل اقتتال إسلامي – إسلامي يطيح ليس المسلمين فقط، والمسيحيّين، بل الوطن كلاً، إذ إن الحروب، والصراعات الدموية التي نعلم بدايتها، لا نضمن نهاية مأمونة لها، وهي تقتل البشر وتُدمِّر الحجر، وتزيد منسوب العداء والكراهيّة اللذين سرعان ما يتفجّران مزيداً من إهراق الدماء.
وحسناً فعل الطرفان بتمسّكهما بذاك الحوار، إذ إنه شكّل ساحة لقاء مُشترك، ومساحة لتنفيس احتقان الشارع، رغم أن المتحاورين كانوا يخرجون منه إلى بيانات وتصاريح تصعيد وتباعد، وقد أدّى الحوار هدفه المعلن.
لكن منذ أن استتبّت الأمور وتمّ انتخاب رئيس للجمهوريّة، وتكليف رئيس للحكومة، وتأليف حكومة بدأت تنتج، وتعطّلت لغة الحوار الوطني، لم يعد الحوار الثنائي مستساغاً، لأسباب عدّة:

إقرأ ايضًا: أحزاب السلطة تتحد في إنتخابات رابطة التعليم الثانوي
– الأوّل: ان الحوار هدف إلى تنفيس الاحتقان، وقد زال مبدئياً خطر الفتنة السنيّة – الشيعية من لبنان وجلس الجميع إلى طاولة واحدة.

-الثاني: ان استقرار الوضع الداخلي يفترض العودة إلى مؤسّسات الدولة، والتواصل عبر مجلسي النواب والوزراء وعدم الاستمرار في تركيبات موازية.

– الثالث: ان هذا الحوار هو إسلامي – إسلامي، أو بالأحرى سنّي – شيعي، وبالتالي هو إقصائي لمكوّنات الوطن الأخرى، ويمكن أن يوحي بأن الاتفاقات في البلد يمكن أن تمضي ضمن تفاهم سُنّي – شيعي، لا حاجة فيه إلى الآخرين.

رابعاً: ان هذا الحوار الثنائي خبيث لأنه يطلع علينا بسطرين مكرّرين عقب كل جولة منه فلا يعطي اللبنانيين أي معلومات، كأنّه يُجري اتفاقات سريّة اذ يمنع فيه التصوير ويمتنع أعضاؤه عن التصريح. واما بياناته فهي متشابهة ومكررة ومملة.

خامساً: ان انعقاده في عين التينة يُوحي بأنه شبه رسمي وهو ليس كذلك إذ يشبه أي حوار بين حزبين يتم في مقر أحدهما، وليس في مقر إقامة الرئاسة الثانية. وكان يمكن أن يرعاه بري في مجلس النواب ليكسب صدقية أكثر فيما لو أُريد له أن يحظى برعاية رسمية.

سادساً وأخيراً: ان عدم إعلان نتائج الحوار أو جدول أعماله، يوحي بأنّه أخفق في التوصّل إلى أي اتفاق، وبالتالي صار غير ذي نفع ولاغياً بحكم هذا الواقع. وإذا كان العكس صحيحاً، فيجب إعلام الناس بالأمر والخروج من حالة الكتمان والخبث التي تُخيِّم فوقه. لكن الافضل هو عدم الاستمرار فيه لتأكيد قدرة الدولة وعودتها الى لعب دورها، لان عدم الثقة بالمؤسسات، من المسؤولين انفسهم، يرتد سلباً عليهم، ويضعف ثقتنا بالدولة وبهم.

السابق
حاكم اسطنبول: المتهم باعتداء ملهى «رينا» اعترف بجريمته
التالي
وسيط لبناني جديد الى الرقة لمتابعة ملف العسكريين المختطفين